الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1374 - 26 محرم 1441هـ - الموافق 26 أيلول 2019م
البعد الاجتماعيّ في سيرة الإمام السجّاد (عليه السلام)

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

البعد الاجتماعيّ في سيرة الإمام السجّاد (عليه السلام)

محاور الخطبة
- تعدّد الأدوار ووحدة الهدف
- رعاية الإمام (عليه السلام) للفقراء
- تحريره للعبيد
- نبذ العصبيّة والعنصريّة
- العصبيّة الممدوحة والمذمومة
- مواجهة الفقر

مطلع الخطبة
"اللّهُمَّ، صَلِّ عَلى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، سَيِّدِ العابِدِينَ، الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَجَعَلْتَ مِنْهُ أَئِمَّةَ الهُدى، الَّذِينَ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، اخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَاصْطَفَيْتَهُ، وَجَعَلْتَهُ هادِياً مَهْدِيّاً، اللّهُمَّ، فَصَلِّ عَلَيْهِ أَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى أَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَنْبِيائِكَ، حَتّى تَبْلُغَ بِهِ ما تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ، إِنَّكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"[1].

أيّها الأحبّة،
لم يكن دور الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في الأمّة مقتصراً على التبليغ الدينيّ فحسب، إنّما يشمل العمل في الشأن الاجتماعيّ والسياسيّ؛ وذلك كلّه لهدف واحد، هو إرساء ثقافة الإسلام وتطبيق شريعته بما فيه صلاح حياة الإنسان.

تعدّد الأدوار ووحدة الهدف
وإنّ للأئمّة -كما عبّر العديد من علمائنا- تعدّداً في أدوارهم، وإن كان هدفهم واحداً، فقد نجد إماماً من أئمّة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) يتّخذ في حياته مسار السياسة، كما هو حال الإمام الحسن (عليه السلام) في صلحه مع معاوية، وفي الوقت عينه نجد الإمام الحسين (عليه السلام) قد اتّخذ مسار المواجهة العسكريّة مع يزيد بن معاوية، وهذا طبعاً يرجع إلى الظروف التي يعيشها الإمام، وتعيشها الأمّة، فيتحرّك الإمام انسجاماً مع تلك الظروف بما يحفظ مصلحة الأمّة حينها، ولو كان على المدى البعيد.

وكذلك، إنّ للأئمّة أدواراً متعدّدةً، فنجدهم (عليهم السلام) أئمّةً مبلّغين لأحكام الدين في بيوت الله -تعالى-، يعطون الدروس، ويعلّمون الناس أحكام دينهم وعقائده ومبادئه، وفي الوقت عينه نراهم يتحرّكون في خدمة الناس، في قضاء حوائجهم ومساعدة فقرائهم ومحتاجيهم، ويدعون إلى ذلك وبشدّة.

وبالتالي، فإنّ في شخصيّة كلّ إمام من الأئمّة أبعادًا مختلفةً، ومن تلك الأبعاد البعد الاجتماعيّ الذي صبغت فيه حركتهم بين الناس.

وسوف نسلّط الضوء في هذه الخطبة عن بعض الجوانب الاجتماعيّة من سيرة الإمام السجّاد (عليه السلام).

فمن مصاديق حركته الاجتماعيّة:

1- رعاية الإمام (عليه السلام) للفقراء
كان الإمام (عليه السلام) يرعى الفقراء والمحتاجين، ويكثر من التصدّق عليهم، سرّا وعلانيةً، ليلاً ونهاراً، متكفّلاً الكثير من بيوت الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، وفي الغالب من حيث لا يدري أحد منهم، حتّى إذا رحل الإمام إلى ربّه، فقدوا تلك الصدقات، فعلموا أنّ الإمام (عليه السلام) هو الذي كان يقوم بها.

عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، وربّما حمل على ظهره الطعام أو الحطب، حتّى يأتيَ باباً باباً فيقرعه، ثمّ يناول من يخرج إليه، وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيراً لئلّا يعرفه، فلمّا تُوفّيَ فقدوا ذلك؛ فعلموا أنّه كان عليّ بن الحسين (عليهما السلام)، ولمّا وُضع على المغتسل، نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين، ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خزّ، فتعرّض له سائل فتعلّق بالمطرف فمضى وتركه، وكان يشتري الخزّ في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه وتصدّق بثمنه"[2].

"ولقد كان يأبى أن يؤاكل أمّه، فقيل له: يابن رسول الله، أنت أبرّ الناس وأوصلهم للرحم، فكيف لا تؤاكل أمّك؟ فقال: إنّي أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه... وكان يعول مئة أهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضرّاء والزمنيّ[3] والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان له منهم عيال حمّله من طعامه إلى عياله، وكان لا يأكل طعاما حتّى يبدأ ويتصدّق بمثل"[4].

وقد رأى الزهريّ الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) في ليلة باردة مطيّرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي، فقال له: يابن رسول الله، ما هذا؟ قال: "أريد سفراً أعدّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز"، فقال الزهريّ فهذا غلامي يحمله عنك، فأبى، قال: أنا أحمله عنك فإنّي أرفعك عن حمله، فقال عليّ بن الحسين: "لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري، ويحسن ورودي على ما أرد عليه، أسألك بحقّ الله لمّا مضيت لحاجتك وتركتني"، فانصرف عنه، فلمّا كان بعد أيّام قال له: يابن رسول الله، لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً، قال: بلى يا زهريّ، ليس ما ظننت، ولكنّه الموت، وله كنت أستعدّ، إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام، وبذل الندى والخير"[5].

2- تحريره للعبيد
أيّها الأحبّة،
كلّنا يعلم ويقرأ  كيف كانت ظاهرة الاستعباد منتشرةً في ذاك الزمن، بل استمرّت طويلاً إلى أواخر القرن التاسع عشر، على أيدي الأمريكيّين والأوروبيّين الذين كانوا يشترون العبيد من أفريقيا، ويتاجرون بهم بعد نقلهم عبر السفن، إلى أن قامت ثورات هنا وهناك في أمريكا وغيرها لمناهضة هذه الظاهرة.

وإنّ ديننا الحنيف قد واجه هذه الظاهرة بأساليب متعدّدة؛ منها الأحكام المتعلّقة بالكفّارات، حيث كانت الكفّارة في مواضع عديدة عبارة عن فكّ رقبة، وكذلك من خلال الإرشادات العظيمة التي أرشدنا إليها الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، في احترام الإنسان، وأنّه لا فضل لعربيّ وعجميّ إلّا بالتقوى، وأنّ الناس كأسنان المشط، وغيرها الكثير من الإرشادات الأخلاقيّة والاجتماعيّة، التي عملت على تقويض ظاهرة الاستعباد والرقّ شيئاً فشيئاً، إلى أن انتهت بفترة وجيزة من المجتمع العربيّ على الأقلّ، نظراً لتجذّرها في المجتمع البشريّ آنذاك.

وإنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يستخدم أسلوباً قد عُرف به، وهو أنّه كان يعمد إلى شراء العبيد، لا لحاجة له فيهم، إنّما لتخليصهم من أيدي الناس وتحريرهم.

وكان (عليه السلام) يعاملهم معاملةً حسنةً، حيث يصف الإمام الصادق (عليه السلام) جانباً من ذلك، إذ يقول: "كان عليّ بن الحسين إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان، أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقب،ه فيجتمع عليهم الأدب، حتّى إذا كان آخر الليلة من شهر رمضان، دعاهم وجمعهم حوله، ثمّ أظهر الكتاب، ثمّ قال: يا فلان، فعلت كذا وكذا، ولم أؤدّبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى يابن رسول الله، حتّى يأتي على آخرهم فيقرّرهم جميعاً".

"ثمّ يقوم وسطهم، ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم، وقولوا: يا عليّ بن الحسين، إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّما عملت، كما أحصيت علينا كلّما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحقّ، لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً ممّا أتيت إلّا أحصاها، وتجد كلّما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كلّما عملنا لديك حاضراً، فاعفُ واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك، فاعفُ عنّا تجده عفوّاً، وبك رحيماً، ولك غفوراً، ولا يظلم ربّك أحداً، كما لديك كتاب ينطق علينا بالحقّ، لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً ممّا أتيناها إلّا أحصاه، فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك، الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعفُ واصفح يعفُ عنك المليك ويصفح، فإنّه يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[6].

وممّا رُوي في تعامله معهم، أنّ جاريةً له (عليه السلام) جعلت تسكب عليه الماء ليتهيّأ للصلاة، فنعست فسقط الإبريق من يد الجارية فشجّه، فرفع رأسه إليها، فقالت له الجارية: إنّ الله يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، قال: "قد كظمت غيظي"، قالت: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، قال لها: "عفا الله عنك"، قالت: {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، قال: "اذهبي فأنت حرّة"[7].

3-  نبذ العصبيّة والعنصريّة
كانت وما زالت قوى الاستكبار تعمد إلى شتّى الوسائل والأساليب التي تحفظ تسلّطهم ونفوذهم، ومن تلك الأساليب العمل على تفرقة الناس، وهذه سياسة واضحة لكلّ من قرأ تاريخ الأمم السالفة والحاضرة، ومن أبرز تلك الأساليب هو بثّ العصبيّات المتنوّعة بين الناس، والتي ينتج عنها الاقتتال والحقد والكراهية، وهكذا فعل الأمويّون في تاريخهم، وغيرهم من بعدهم من قوى الاستكبار والغطرسة، حتّى زماننا هذا.

وإنّ الله -تعالى- قد نبذ العصبيّة داعياً جميع الناس إلى التمسّك بحبل الله، قال -سبحانه-: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا}[8].

وبناءً على دعوة الله -تعالى- في الوحدة وعدم التفرقة، فقد عمد الأئمّة الأطهار إلى ذلك بشكل كبير من خلال أقوالهم ومواقفهم وسيرتهم.

رُوي أنّ طاووس اليمانيّ قد رأى الإمام باكياً وهو يتهجّد لله -تعالى-، فقال له: "أنا طاووس يابن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن عليّ، وأمّك فاطمة الزهراء، وجدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)!؟ قال: فالتفت إليّ وقال: "هيهات هيهات يا طاووس، دع عنّي حديث أبي وأمّي وجدّي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشيّاً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولداً قرشيّاً، أما سمعت قوله -تعالى-: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}[9]، والله، لا ينفعك غداً إلّا تقدمة تقدّمها من عمل صالح"[10].

وممّا ورد عنه أنّه قال: "لا حسب لقرشيّ ولا عربيّ إلّا بالتواضع"[11].

العصبيّة الممدوحة والمذمومة
وقد ميّز الإمام (عليه السلام) في حديث له بين العصبيّة الممدوحة والمذمومة قائلاً: "العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه، ولكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم"[12].

4- مواجهة الفقر
أيّها الأحبّة،
إنّ من أبرز المخاطر التي تواجه المجتمع البشريّ هو حالة الفقر التي يعيشها أفراده؛ لما في ذلك من آثار سلبيّة خطيرة من الناحية الاجتماعيّة والأخلاقيّة بل والدينيّة؛ ولذلك نجد في الإسلام الكثير من المفردات التي تضع لنا منهجاً واضحاً في مواجهة الفقر والعوز، وهذا المنهج ينقسم إلى شكلين، الشكل الإيجابيّ، والشكل السلبيّ.

أمّا الإيجابيّ، فهو أن يبادر المرء إلى العمل وكسب الرزق، حتّى ذُكر الكثير من الأحاديث التي تعظّم عمل العامل، وتعتبره جهاداً في سبيل الله، وكذلك النفقة والتصدّق وقضاء حوائج الناس وغير ذلك.

أمّا السلبيّ، فهو يتمثّل بعدم الإسراف وعدم التبذير، وهو ما يُعرف بالاقتصاد في العيش، وهو ما يتيح حفظ المال وعدم تضييعه.

وقد دأب الإمام زين العابدين (عليه السلام) في سلوك مواجهة الفقر، من خلال حثّه على العمل وكسب الرزق، وكذلك التصدّق على المحتاجين والفقراء، عن أبي حمزة الثماليّ أنّه قال: "إنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) كان يحمل الخبز بالليل، على ظهره يتبع به المساكين في ظلمة الليل، ويقول: "إنّ الصدقة في سواد الليل تطفىء غضب الربّ"[13].

وعن محمّد بن إسحاق، قال: "كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين (عليه السلام) فقدوا ما كان يؤتَوْو به بالليل"[14].

وعن عمرو بن ثابت، قال: لمّا مات عليّ بن الحسين (عليه السلام) وجدوا بظهره أثراً، فسألوا عنه؟ فقالوا : هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل"[15].

[1] العلّامة القمّي، مفاتيح الجنان، ص802.
[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج9، ص397.
[3] مرض يعرف بالزمانة.
[4] المصدر نفسه، ج9، ص397.
[5] المصدر نفسه، ج9، ص 401.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 46، ص 103.
[7] الشيخ الصدّوق، الأمالي، ص 269.
[8] سورة آل عمران، الآية 103.
[9] سورة المؤمنون، الآية 101.
[10] العلّامة المجلسيّ، بحار الانوار، ج46، ص 82.
[11] الميزرا النوريّ الطبرسيّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص 298.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص 308.
[13] الذهبيّ، سير أعلام النبلاء، ج4، ص 393.
[14] المصدر نفسه، ج4، ص 393.
[15] المصدر نفسه، ج4، ص 393.

26-09-2019 | 10-00 د | 1297 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net