الليلة السادسة: مجلس حبيب بن مظاهر

وَقَفَ الحُسَيْنُ وَيَا لَهُ مِنْ مَوْقِفٍ
إِذْ رَاحَ يَنْدُبُ فِتْيَةً وَيَرَاهُمُ
مَا بَيْنَ مَنْ قَطَعَ الحِمَامُ وَتِينَهُ
مَا هَادَنُوا حَتَّى تَهَاوَوْا صُرَّعاً
فَهُنَا حَبِيبٌ وَالِّلوَاءُ مُخَرَّقٌ
وَهُنَاكَ حَوْلَ المَاءِ قَائِدُ جَيْشِهِ
نَادَاهُمُ وَالصَّوْتُ يَطْفَحُ حَسْرَةً
مَنْ بَعْدَكُمْ يَحْمِي الحِمَى وَيَذُودُ عَنْ
مِنْ وَقْعِهِ صُمُّ الصُّخُورِ تَلِينُ
جُثَثَاً عَلَى الغَبْرَا لَهُنَّ أَنِينُ
أَوْ صَافَحَ الرَّمْضَاءَ مِنْهُ جَبِينُ
 لِلْبِيضِ وَقْعٌ فِيهِمُ وَرَنِينُ
وَهُنَالِكَ مُسْلِمٌ وَالفُؤَادُ طَعِينُ
عِنْدَ الشَّرِيعَةِ جُذَّ مِنْهُ يَمِينُ
وَيَلُفُّ نَبْرَتَهَ شَجاً وَحَنِينُ
هَذِي النِّساءِ وَمَنْ لَهُنَّ يُعِينُ

ويقول الشيخ عبد الحسين الحُويزي في ديوانه واصفاً حبيب بن مظاهر:

فَيَا نَاصِرَ الدِّينِ الحَنِيفِ وَحَامِياً
رَأَيْتَ حُسَيْناً مُفْرَداً فَوَقَيْتَهُ
وَوَدَعْتَ فِي تِلْكَ المَضَارِبِ نِسْوَةً
وَدَدْتَ بِمَاءِ العَيْنِ مُذْ عَزَّ مَاؤُهَا
بِفَقْدِكَ أَبْدَتَ أَيُّها النَّدْبُ حُسَّراً
حِمَى حَوْزَةٍ فِيهَا الهُدَى حَطَّ أَثْقَالَا
بِنَفْسِكَ مُذْ أَقْدَمْتَ لِلْمَوْتِ إِرْسَالا
كَسَاهَا إِلَهُ العَرْشِ عِزّاً وَإِجْلَالا
بِيُمْنَى الوَفَا تَسْقِي نِسَاءً وَأَطْفَالا
بَنَاتُ رَسُولِ اللهِ نُدْباُ وإِعْوَالا

33


المجلس:
هذه الليلة ليلة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام الذين يعبّر عنهم الشاعر:
بِأَبِي مَنْ شَرَوْا لِقَاءَ حُسَيْنٍ                بِفِرَاقِ النُّفُوسِ وَالأَرْوَاحِ
أَدْرَكُوا بِالحُسَيْنِ أَكْبَرَ عِيدٍ                فَغَدَوْا فِي مِنَى الطُّفُوفِ أَضَاحِي

ومن أبرز المصاديق على أصحاب الحسين عليه السلام ذلك الرجل الكبير الشيخ الجليل الذي كان في عقده التاسع من العمر وينزل إلى ميدان البطولة والوفاء لسيّد الشهداء عليه السلام يقاتل ويعجب منه القوم.

أنقل لكم شيئاً من مواقف شيخ الأصحاب حبيب بن مظاهر الأسدي، قال الراوي: عندما نزل الحسين عليه السلام في كربلاء أخذ يقسِّم الرايات على أصحابه وكانت اثنتي عشرة راية، فوزّعها عليهم وبقيت راية، فقال له بعض أصحابه: مُنَّ عليّ بحملها. فقال عليه السلام: يأتي إليها صاحبها. وبينما الحسين عليه السلام وأصحابه في الكلام وإذا بغبرةٍ ثائرة، فالتفت الحسين عليه السلام إلى أصحابه وقال: "إنّ صاحب هذه الراية قد أقبل"، فلمّا صار حبيب قريباً من الإمام عليه السلام ترجّل عن جواده، وجعل يقبّل الأرض بين يديه وهو يبكي، فسلَّم على الإمام وأصحابه، فردَّ الإمام عليه السلام وأصحابه السلام عليه، فسمعت


34


زينب عليها السلام بنت أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: من هذا الذي أقبل؟ فقيل لها: حبيب بن مظاهر، فقالت: أقرئوه عنّي السلام.

فلما بلَّغوه سلامها، لطم حبيب على وجهه، وحثا التراب على رأسه، وهو يقول: ومن أكون حتّى تسلِّم عليَّ بنت أمير المؤمنين عليه السلام؟

(شعبي)

وحبيب واقف من ورا خدر المصونة           وسلَّم عليها بالوقار والسكينة
وردَّت سلامه زينب بعبره هتونه                ونادت هلا باللي لقانا اليوم خيَّال
ظلت تهل دموعها وتصيح يا حبيب            ياهل الحمية الله الله في هالغريب
قلها يا بنت الهاشمية قلبك يطيب                الديار والأولاد عفناها والأموال
****
سمعها وبعد ما كمل سلامه                انتخى قدامها وذبِّ العمامة
نادت يا هلا براعي الشهامة               وهلا باليرهب العدوان عزمه
تمرَّغ عالأرض يمها لمَّن نِخْوِتَه          دون حسين أموتن ألف موته
أنا قدوة لبو اليمة واخوته                 على العدوان لخليها مظلمة

ثمّ إنّ حبيب لمّا نزل إلى ميدان القتال، قاتل فقتل من الأعداء مقتلة عظيمة، وكان صلباً في الولاء لسيّد الشهداء، فلم يزل يدافع عن بنات رسول الله حتّى قضى نحبه. وتقديراً لهذا الموقف، مشى إليه الحسين، وحين وصوله إليه استعبر باكياً وقال: لله درُّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً وينقل بعضهم أنّه عليه السلام بان على وجهه


35


الإنكسار بعد مقتل حبيب وقال عليه السلام: عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي.

ما صار في الأنصار مثل حبيب معلوم
جسمه مجدل في الثرى مخضب بالدموم
ويوصي على مسلم يجاهد عن المظلوم
يقله يا مسلم الله الله في هالغريب

(نصاري)

اجاه حسين وشافه دمه مسفوح           وعاين بيرقه على الأرض مطروح
جذب ونَّه ومنّه غابت الروح             سدر عنّه ودمع العين منثور
أَحَبِيبُ أَنْتَ إِلَى الحُسَيْنِ حَبِيبُ           إِنْ لَمْ يَنُطْ نَسَبٌ فَأَنْتَ لَهُ نَسِيبُ


36


     
السابق الصفحة الرئيسة التالي