وَتَقَدَّمَ الشِّبْلُ العَلَيُّ بِكَفِّهِ
مَنْ أَشْبَهَ الهَادِي النَّبِيِّ بِخَلْقِهِ
وَمَضَى يُقَتِّلُ فِي الأُلُوفِ وَلِلْظَما
ثُمَّ انْثَنَى لِأَبِيهِ يَشْكُو مِنْ ظَماً
أَبَتَاهُ هَلْ مِنْ شَرْبَةٍ تُرْوِي الحَشَى
أَبُنيُّ وَاغَوْثَاهُ أَيْنَ المَاءَ فَاصْبِرْ
قَاتِلْ فَمِنْ قُرْبٍ تُلَاقِي أَحْمَداً
فَمَضَى عَلِيٌّ لِلْقِتَالِ فَجَاءَهُ
أَبَتَاهُ هَا جَدِّي سَقَانِي كَفَّهُ
نَادَى الحُسَيْنُ هُنَالِكُمْ فِتْيانَهُ
وَضَعُوهُ قُدَّامَ الخِيَامِ وَزَيْنَبٌ
يَا زِينَةَ الشُّبَّانِ عَزَّ عَلَيَّ أَنْ
|
مَاضِي القَرارِ الأَبْيَضُ المَشْطُوبُ
وَبِهِ الجَمَالُ عَلَى الجَلَالِ مَهِيبُ
مَا بَيْنَ أَحْناءِ الضُّلُوعِ لَهِيبُ
مُضْنٍ وَمِنْ ثِقْلِ الحَدِيدِ يَلُوبُ
لِي عِنْدَ وَالِدِي الشَّفِيقِ نَصِيبُ
فَالِإلَهُ مُرَاقِبٌ وَحَسِيبُ
فِي كَفِّهِ كَأْسُ الرَّوِي مَشْرُوبُ
سَهْمٌ سَدِيدٌ لِلفُؤَادِ مُصِيبُ
كَأْساً يَلَذُّ شَرَابُها وَيَطِيبُ
شِيلُوا أَخَاكُمْ فَاحْمِلُوهُ وأُوبُوا
خَرَجَتْ وَمَدْمَعُها عَلِيهِ صَبِيبُ
تُلْقَى وَإنَّكَ بِالدِّمَاءِ خَضِيبُ |
(شعبي)
زينب اجت تمشي وتعثَّر
وحين الذي صدَّت للأكبر
جسمه بالسيوف غدا موذَّر
وحسين يم راسه يتحسَّر
صاحي يا ضي عيني يالأكبر
عقبك يا ريت العمر يقصر
يا شبيه جدي النبي الأطهر
ومثله علينا مصاب ما مر
بحسين أبوك بيه أثَّر
ناحل بقى ولونه تغيَّر
ومن كثر ما يا بني تقدر
ظلّ يعتب على الدهر الاكشر
(أبو ذية)
دارت عليه تندب يا علي
مصيبتك زلزلت بالسما عرش العلي
وناعيك صار جدك والمرتضى علي
وعالرَّاس ظلِّت تلطم الزهرا الزكيَّة
يقول المؤرّخون: جاء شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يوم العاشر من المحرّم إلى أبيه الحسين عليه السلام بعدما قتل أصحابه جميعاً،
فتقدّم عليّ الأكبر وهو أوّل شابٌّ وأوّل رجل يتقدّم من أهل بيت الحسين عليه السلام
إلى الشهادة بين يدي الإمام عليه السلام (يقولون: إنّه إذا تقدَّم أيّ شاب ليأخذ
الإذن بالقتال كان الإمام عليه السلام يردّه إلّا عليّ الأكبر فإنّه أذن له
مباشرة)، ولكن قال له الحسين عليه السلام: ولدي عليّ إليَّ إليَّ، حتّى أودّعك
وتودّعني، وأشمّك وتشمّني. فاعتنقه الحسين عليه السلام وبكت النساء لبكاء الحسين
عليه السلام ولوداع عليّ الأكبر، وتعلّقت النساء بعليّ الأكبر وإذا بالحسين ينادي:
دعوه فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب:
(نصاري)
يقله والدمع بالعين دفاق
بعبره مكسره وبقلب خفاق
يبويه وداعة الله هذا الفراق يبويه اشبيدينه هذا
المقدَّر
برز عليّ الأكبر إلى الميدان وهو يرتجز ويقول:
أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِي
نَحْنُ وَبِيْتُ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ
تَاللهِ لَا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي
أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي
ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٍّ عَلَوِي
والحسين عليه السلام كان واقفاً بباب الخيمة، الخيمة التي كانت فيها ليلى، وعليّ
الأكبر يضرب في القوم يمينياً وشمالاً، حتّى قتل منهم مقتلةً عظيمة، وإذا بلون
الحسين عليه السلام قد تغيَّر، وكانت ليلى تعرف حال ولدها عليّ الأكبر من وجه
الحسين عليه السلام، فالتفتت إلى أبي عبد الله عليه السلام وقالت: سيّدي هل أصيب
ولدي بشيء؟ قال لها: لا يا ليلى، ولكن برز إليه من يُخاف عليه منه، قالت: سيّدي وما
أصنع؟ قال: يا ليلى، ادعِ لولدك فإنّي سمعت جدّي رسول الله يقول: إنّ دعاء الأمّ
مستجاب بحقّ ولدها، فرفعت يديها إلى السماء وقالت: إلهي بحبيبك رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، إلهي بغربة أبي عبد الله عليه السلام، يا من رددت يوسف
إلى يعقوب أردد إليَّ ولدي عليّا.
طبَّت لخيمتها الغريبة
وتوسَّلت لله بحبيبه
وبالحسين وشما بيه مصيبة يا راد يوسف من مغيبه
على يعقوب ومسكِّن
نحيبه أريدك سالم تجيبه
وما هي إلّا دقائق حتّى رجع عليّ إلى
الحسين عليه السلام وهو منتصرٌ على بكر بن غانم ويقول: أبه الجائزة، قال: ما تريد
يا بني؟ قال: أبه يا حسين ثقل الحديد أجهدني والعطش قد قتلني، قال له الحسين عليه
السلام: بني عليّ، ضع لسانك على لساني، وإذا بلسان الحسين كصالية الغض، عليّ الأكبر
أراد أن يرجع إلى المعركة فقال له الحسين عليه السلام: يا عليّ أدرك أمّك ليلى في
وسط الخيمة تكاد روحها أن تفارق بدنها، فجاء عليّ إلى أمّه أخذ رأسها وضعه في حجره
وجعل يبكي حتّى فتحت عينيها، قالت: ولدي عليّ عند رأسي قال لها: نعم يا أمّاه:
فكَّت عينها وشافت ولدها يبكي ويسكب الدمعه على خدها
يبعد امَّك تقله يا ولدها
رديت روحي بجيتك هاي
يقولون: إنّ ليلى قالت لولدها عليّ: ولدي هذه المرّة الأخيرة التي أراك فيها فكأنّ
قلبي يعلمني بهذا الشيء، فقالت له عندي طلب، قال أطلبي يا أمّاه ما تشائين؟ فقالت
له: ولدي علي قم فتمشّى أمامي لأنظر إلى قوامك الشبيه بقوام جدّك المصطفى، فقام
عليّ يتمشّى في وسط الخيمة وأمّه تنظر إليه وكأنّي بها:
قام قبالهه ينقل أجدامه وهي
تعاين لعد نصبة القامه
يبعد أهلي تقله بالسلامه رديت روحي
بجيتك هاي
ثمّ عاد عليّ الأكبر إلى القتال يضرب القوم يميناً وشمالاً حتّى قتل منهم مقتلة
عظيمة قال حميد بن مسلم: كان عليّ بن الحسين يطرد أمامه كتيبة من الفرسان والرجال،
وكان مرّة بن منقذ العبديّ
إلى جانبي،
فقال: لإن مرَّ بي هذا الغلام والله
لأثكلنّ به أمّه وأباه. يقول: فلمّا مرَّ بنا عليّ بن الحسين حمل عليه مرَّة (لعنه
الله) وضرب بالسيف على رأسه ففلق هامته، فاعتنق الفرس وسالت الدماء من رأسه الشريف
(رحم الله من نادى واعليا... أي واسيداه) ولمّا بلغت روحه التراقي نادى: عليك منّي
سلام الله أبه يا حسين، عليك منّي السلام أدركني. فجاءه الحسين عليه السلام ولكن
بأيّة حالة؟ قال بعضهم ممّن رأى الحسين عليه السلام: إنّ الحسين كان يمشي تارة
ويجلس تارة أخرى حتّى وصل إليه؛ يقول السيّد المقرَّم: فجعل الحسين عليه السلام
صدره على صدر ولده عليّ يعني تمدّد إلى جانب ولده في ساحة المعركة ونادى: ولدي عليّ
على الدنيا بعدك العفا أمّا أنت فقد استرحت من همّ الدنيا وغمِّها.
يبويه من سمع يمك ونينك من شبحت
لعند الموت عينك
وكان إلى جانب الإمام مجموعة من بني هاشم أمرهم أن يحملوه إلى المخيّم فحملوه
والحسين عليه السلام يمشي خلف ولده وهو واضع يده على خاصرته وينادي: واولداه
واعليّاه... حتّى وصل
إلى المخيّم.
وكانت أم المصائب واقفة بباب الخيمة..
(أبو ذية)
شافه والنبل شابك علي راح وظل يصفق وسف راح
علي راح
صاح بصوت يا زينب علي راح وأنا الدنيا غدت
ظلمة عليَّه
اجتمعت النساء حول جسده الطاهر، أمّا أمّه ليلى فإنّها أقبلت
تهرول إلى ولدها وهي تصرخ: واولداه
واعليّاه، حتّى وقفت عنده فلمّا رأته مقطّعاً بالسيوف، انحنت عليه وكأنّي بها تقول:
فقيده يا علي يبني فقيده
بعيده شوفتك صارت بعيده
اللي تجرَّى عليك انشلَّت ايده
وشرابه لاهنه ولا طاب إله الزاد
يا علي يبني الساع ذليت
عمود الوسط يا لشايل البيت
يا واحدي وللحيل هديت
أنه بيش اجيت وبيش رديته
والموت ياخذني تمنيت
لحن الفراق
يبني لكبر دمي ريته يا علي ماي
يبني لكبر
ورشّفك يا نور عيناي
يبني لكبر منين اجتني مصيبتي هاي
أبوذيّة
شلِّي وشلي بحياتي اليوم بعداك وسهم لصاب قلبك
ريت بعداك
على الدنيا العفا يا لولد بعداك
علي يبني شعظم فقدك عليَّه
رَجَوْتُكَ يَا عَلِيُّ تَعِيشُ بَعْدِي
لِتُوَسِّدَ جُثَّتِي رَمْسَ الُّلحُودِ
وَتَمْشِي بَاكِياً مِنْ خَلْفِ نَعْشِي
كَمَا يَبْكِي الوَلِيدُ عَلَى الفَقِيدِ