الهدف:
بيان أهمّيّة التعاطف والمواساة مع أهل الحاجة.
تصدير الموضوع:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "ويحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل
والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض..."1.
مقدّمة:
لقد اهتمّ الإسلام كثيراً بتربية الإنسان فكريّاً وعمليّاً على توثيق عرى التواصل
بين عباده وبيَّن منظومة من العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الإنسان تقوم على أساس
التراحم والتعاطف حتّى يكونوا كما أمرهم الله سبحانه وتعالى عزَّ وجلّ:
﴿رُحَمَاء
بَيْنَهُمْ﴾ وهناك الكثير من التشريعات يُلحظ فيها حيثيّة مساعدة الآخرين كالخمس
والزكاة والصدقة والهديّة والهبة وغير ذلك، وبعد تعزيز روح المحبّة والتعاطف بينهم
فلا يصدر عنهم إلّا صنع المعروف مع الآخرين ولم تستقرّ أنفسهم إلّا ببذل ما خوّلهم
الله
من قوّة أو نعمة لمن احتاج إليهما من أهل الفقر والمسكنة. وهؤلاء بدورهم سوف يلاقون
أهل الخير إلى منتصف الطريق على المستوى الروحيّ والنفسيّ إذ يبادلونهم المحبّة
والاحترام، ثمّ يرفعون أيديهم إلى الله تعالى بالدعاء لهم والابتهال ببقاء النعمة وطول
العمر ليدوم وصول الخير إليهم منهم، وما أحسن تلك النفوس التي نمت فيها ملكات
التراحم والتعاطف والمحبة والاحترام، فإنّها غاية من الغايات التي استهدفها
الإسلام. وعلى الإنسان أن ينظر في أسس علاقته مع الآخرين، هل إنّها تقوم على أنّ
الله
له فضله على الآخرين؟ أم أنّ هؤلاء هم عيال الله وهم سبيل للوصول إلى ساحة قربه وعليه
إيصال النفع إليهم، كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله
تعالى:
﴿وَجَعَلَنِي
مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾
"أي نفَّاعاً"2، وعنه عليه
السلام قال الله تعالى في حديث قدسيّ: "الخلق عيالي فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم وأسعاهم في
حوائجهم"3.
الآمنون يوم القيامة:
إنّ لكلّ عمل يقوم الإنسان في دار الدنيا فسوف يجده حاضراً يوم القيامة ثمّ يجزى به
من دون فرق بين عمل أدَّاه الإنسان في محراب العبادة وبين عمل قدّمه في ساحة عباده،
ومن هنا فقد فاز البعض حينما هيّأ لنفسه الأمان والسرور يوم القيامة هو كنتيجة لما
زرعه في الدنيا من سرور أدخله إلى قلوب المحزونين أو لسعيه في قضاء حوائج
المحتاجين، ولقد فاز هؤلاء بنعمتين عظيمتين واحدة في الدنيا حينما نسبهم الله تعالى
لذاته المقدّسة وأخرى حينما آمنهم يوم الفزع الأكبر ودلّ على ذلك ما جاء عن مولانا
الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: "إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس،
هم الآمنون يوم القيامة ومن أدخل على مؤمن سروراً فرَّح الله قلبه يوم القيامة"4.
إيّاك وعذر الطالب
من الجدير ذكره أنّه يجب أن يلتفت الإنسان إلى نقطة مهمّة جدّاً في مقام التعاطي مع
الآخرين من أنّ اعتذار المقتدر عن بذل خدمته لمن قدر عليها فقد حجب عن نفسه الرحمة
الإلهيّة في الدنيا وسلّط
عليها من يفزعها في عالم البرزخ، وذلك لأنّ عذره الطالب
يفوت على نفسه الخير الكثير، ومن الضروريّ أن يحاط الإنسان علماً بأنّ مجيء صاحب
الحاجة سببٌ لسوق الرحمة الإلهيّة إليه فلينظر إلى كيفيّة تلقّيه للرحمة ولا يتمّ
ذلك إلّا بارجاع صاحب الحاجة بقضاء حاجته، ويشهد لذلك ما جاء في الأخبار أنّه من
وضع الصدقة في يد الفقير فقد وقعت في يد الله قبل أن تقع في يده، ولذا يستحبّ له أن
يقبّل المتصدِّق يد نفسه لملامستها يد الله تعالى، فعن أبي الحسن عليه السلام أنّه
قال: "من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هو رحمة من
الله تبارك وتعالى ساقها إليه، فإن
قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية الله تعالى، وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر
على قضائها سلّط الله عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له
أو معذّباً، فأعذره الطالب كان أسوأ حالا"5.
أحبّ إليّ من عشر حجج
قد يبذل المرء كثيراً من المال ويجهد نفسه في طريق الحجّ وقد يكون في هذا إرضاءٌ
لنفسه لرغبته في سياحة الحجّ وقد يكون فيه إرضاء لربّه التزاماً باستحباب الحجّ
وإقامة على سنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ولكن بامكانه أن يبذل مالاً أقلّ
ويتخلّص من عناء السفر الطويل ويعوّض على نفسه بكثرة النّماء في المال وأضعاف
مضاعفة للأجر والثواب بأن يتولّى عيلولة أهل بين من
المسلمين، فعن الإمام الباقر
عليه السلام: "لئن أعول أهل بين من المسلمين، أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم فأكفّ
وجوههم عن النّاس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة مثلها ومثلها حتّى بلغ
عشراً"6.
فلا تطلب حاجتك من شرار الخلق
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فليس من أحد إلّا وهو محتاج إلى
النّاس"7.
وبناءً عليه فلا يستطيع أحد أن يكمل حياته أو يتمّ أعماله من دون حاجته إلى النّاس
أو حاجة النّاس إليه، ولكن المهمّ اختيار من يريد الاعتماد عليه والرجوع إليه، وليس
من الصلاح الاعتماد على أيّ فرد والرجوع إلى أيٍّ كان، إذ قد يترتّب بالاعتماد على
البعض من المفاسد ما لم يحتمل، ولكان في تحمّل الضير الذي كان فيه أقلّ مرارة من
الضيم الذي أصابه من خلال الرجوع إلى ذلك البعض الذين هم شرار الخلق فعن مولانا زين
العابدين أنّ رجلاً قال بحضرته: اللهمّ أغنني عن خلقك. فقال عليه السلام: "ليس
هكذا، إنّما النّاس بالنّاس ولكن قل: اللهمّ أغنني عن شرار خلقك"8.
ولا تطلبها ممّن لم يكن له وكان
ومن جملة الأشخاص الذين لا ينبغي لك أن تمدّ يدك إليهم ليقضوا حاجتك
حديث النعمة
وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "تدخل يدك في فم التنين إلى المرفق
خير لك من طلب الحوائج إلى من لم يكن له وكان"9.
وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إنّما مثل الحاجة إلى من أصاب ماله
حديثاً كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه محوج وأنت منها على خطر"10.
نعم فاطلبها
وإذا كان لا بدّ لك من أفراد ترفع حاجتك إليهم فلا ترفعها إلّا لواحد من ثلاثة إمّا
صاحب دِين أو صاحب مروءة أو صاحب حسب، فعن مولانا الإمام الحسين عليه السلام أنّه
قال: "لا ترفع حاجتك إلّا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دِين أو مروة أو حسب، فأمّا ذو
الدِّين فيصون دينه، وأمّا ذو المروة فإنّه يستحي لمروته، وأمّا ذو الحسب فيعلم
أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك".