الهدف:
بيان خطورة الفساد والإرهاب في الأرض، وبيان مصاديقه والآثار المترتّبة عليه وحكم
المفسدين.
تصدير الموضوع:
"ألا وقد أمعنتم في البغي وأفسدتم في الأرض مصارحة لله بالمناصبة ومبارزة للمؤمنين
بالمحاربة"1.
مقدّمة:
قبل بيان موقف الإسلام من الإرهاب لا بدّ من بيان معنى الإرهاب وبيان ما يترتّب
عليه.
الرهبة: الخوف والفزع وأرهبه ورهَّبه واسترهبه: أخافه وفزَّعه2.
ويلتقي هذا مع معنى الرعب فهو أيضاً الفزع والخوف3.
ومهما كان معنى الإرهاب فإنّه اليوم بالمصطلح السياسيّ واستنادًا إلى الأفعال التي
ترتكبها الأنظمة أو المجموعات من قتل وتدمير وتشريد من دون رادع ومحاسبة فهو الفساد
في الأرض والإفساد. ومن المعلوم أنّ القيم الإنسانيّة لا يمكن التخلّي عنها حتّى في
ساحة المعركة إذ تبقى هناك مجموعة من القيم الأخلاقيّة لا بدّ من المحافظة عليها
والتحلّي بها حتّى مع الخصوم والأعداء، وهذا ما قرأناه في ممارسة أمير المؤمنين
عليه السلام مع أقرانه من المشركين والكفّار كما فعل مع عمرو بن عبد ودّ العامريّ
ومرحب ومن واجهه من جند معاوية في معركة صفّين، إذ لم يقدم على سلب أحد ممّن قتلهم
ولم يمثّل بهم، بل هو الذي شرب نصف الكوب من اللبن ثمّ دفع بالنصف الباقي إلى قاتله
ابن ملجم، ولم يذكر التاريخ ولو لحادثة واحدة اعتدى فيها جيش المسلمين بقيادة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أمير المؤمنين عليه السلام، على بيت من بيوت
المسلمين أو على مزارعهم أو أتلف
شيئًا من مزروعاتهم، فضلاً عن انتهاك الحرمات
للأنفس والأعراض، نعم من خاف من أعدائه فقد خافه وهو على قيمه وأخلاقه.
وأمّا ما نقرأه قديمًا في تاريخ الطغاة والجبابرة، سواء كانوا من المسلمين أم من
غيرهم، فلا فرق في سلوكهم الحربيّ والعدوانيّ على البشريّة جمعاء، إذ لا دين ولا
طائفة ولا مذهب للإجرام والفساد واللذين يجمعهما اليوم عنوان الإرهاب، إذ لا فرق
بين ما ارتكبه خالد بن الوليد الذي أقدم على قتل مالك بن نويرة ظلمًا، ثمّ دخل
بزوجته ليلة قتله أو بين فعل الخوارج من بقرهم لبطون الحوامل المسلمات أو ما فعله
أخو غامد عامل معاوية على الأنبار حيث كان يدخل على المسلمة والمعاهدة فينتزع
حِجْلها وقُلبها وقلائدها ورُعْثَهَا فما تتمنع منه الّا بالإسترجاع والإسترحام4.
ولا يقدر الإنسان أن يحصي أسماء المفسدين في الأرض فضلاً عن أن يحصي فسادهم
وإفسادهم.
محاور الموضوع
الإرهاب يفسد ويسفك
لقد علمت الملائكة أنّ وجود الإنسان في عالم المادة والماديّات والذي يخضع لقانون
التزاحم، ستكون نتيجتُه هي الإفساد في الأرض وسفك
الدماء، فيما لو لم يلتزم
بالضوابط الإلهيّة، وقرّر التخلّي عن محاسبة الضمير له. وممّا لا شكّ فيه أنّ سفك
الدماء هو من أبرز مصاديق الإفساد في الأرض، وإنّما أفرده القرآن بالخصوص لخطورة أن
يصل الإنسان إلى مرحلة عدم احترام حياة الآخرين وعدم الإحتراز من سفك دمائهم.
ومن يتدبّر الآيات الشريفة التي تضمّنت مادة الإفساد فقد يجد أنّها غالبًا تتحدّث
عن الإفساد في الأرض، وأحيانًا تشير إلى الفساد الذي يصيب البحر مقابل ما يصيب
البر، كما في قوله تعالى:
﴿ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم
بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾5.
وقوله تعالى:
﴿ وَلَوِ
اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن
فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾6.
الإرهابيّون هم مفسدون في الأرض
المفسدون في الأرض موجودون بوجود الدنيا، وفي مقابل كلّ دعوة إلهيّة نجد مجموعة من
المفسدين ولكن أكثر الآيات المتضمّنة للفساد هي الآيات الواقعة في سياق الحديث عن
بني إسرائيل واليهود، كما في قوله تعالى:
﴿وَقَالَتِ
الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا
قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ
كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا
وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾7.
نماذج مفسدة:
كلُّ فئة لا تنقاد إلى طاعة الله سبحانه وتعالى ثمّ عتت عن أمر ربّها وسلكت طريق الفساد
في الأرض، لهي فئة ضالّة مضلّة ومفسدة. ومن أبرز النماذج التي بنظر القرآن الكريم
وبحسب التتبّع لآياته الشريفة كان فرعون، حتّى إنّ بعض الآيات نعتته بأنّه من
المفسدين. وأيضًا فإنّ من النماذج التي أشار إليها في نهج البلاغة هي الفئات
الناكثة والقاسطة والمارقة؛ وقد أشار إليها جميعًا في خطبته المعروفة بالشقشقيّة
حيث قال: "فلمّا نهضتُ بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون، كأنّهم لم
يسمعوا الله سبحانه يقول:
﴿تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ
وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾8"9.
ومن الواضح أنّ الفئة التي تخرج على إمام زمانها الشرعيّ هي عين الفساد في الأرض،
ولذا نرى الفئات المذكورة انتقلت إلى المواجهة الدمويّة قبال القيادة الإلهيّة، ولم
تتورّع عن الولوغ في دماء المسلمين، حتّى إنّها استعملت أساليب وطرق القتل والتنكيل
ما يندى له جبين البشريّة.
وقد أشار إليها ثانية في آخر خطبته المشهورة بالقاصعة حيث قال عليه السلام: "ألا
وقد قطعتم قيد الإسلام، وعطّلتم حدوده، وأقمتم أحكامه. ألا وقد أمرني الله بقتال أهل
البغي والنكث والفساد في الأرض، فأمّا الناكثون فقد قاتلتُ، وأمّا القاسطون فقد
جاهدتُ، وأمّا المارقة فقد دوَّختُ، وأمّا شيطان الردهة فقد كُفيتُهُ بصعقة سمعت له
وجبة قلبه ورَجَّة صدره"10.
ومن أوضح نماذج الفساد والإرهاب يزيد بن معاوية وقد أشار إلى هذا النموذج الإمام
الحسين عليه السلام في خطبته في "البيضة" وهي ما بين "واقعة" إلى "العذيب"
والتي ألقاها على أصحابه وعلى مسمع الحرّ بن يزيد الرياحيّ وجنده، حيث قال بعد
الحمد والثناء: "ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن
وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله"11.
وأمّا في عصرنا الحاضر فإنّ رأس الإرهاب متمثّل بالكيان الغاصب، وبالقراءة الواعية
لتاريخ هذا الكيان فهو تاريخ مملوء بالقتل والتنكيل، بل لا يوجد هناك مجموعة بشريّة
لها تاريخ طويل كالمجموعة الصهيونيّة في هذا المضمار. وأمّا المجموعات التكفيريّة
فهي الوجه الآخر للصهيونيّة العالميّة، ولكنّها للأسف تظهر بمظهر الإسلام الحنيف.
منع الإفساد في الأرض:
لطالما وُجِدت في الأرض عناصر بشريّة قد اتخذت إلهها هواها، فالإرهاب والفساد
موجودان، وإنّ نفس وجود بعض النّاس هو وجود إفساديّ كما قال الإمام الحسين عليه
السلام في واحد من أجوبته على رسائل معاوية: "وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه
الأمّة من ولايتك عليها"12.
وأمّا كيف يتمّ منع الفساد في الأرض؟ فلا يتمّ إلّا بمواجهته والعمل على إستئصاله،
وأمّا الوقوف أمامه مكتوفي الأيدي أو الهروب من أمامه فهو فساد أكبر، وما دلَّ على
ضرورة مواجهته ما أشار إليه القرآن الكريم كما قال تعالى:
﴿فَهَزَمُوهُم
بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى
الْعَالَمِينَ﴾13.
وأيضًا يدلّ عليه ما تمّت الإشارة إليه من مواجهة أمير المؤمنين للفئات الإرهابيّة
الباغية، وأيضًا اتخذ الموقف نفسه الإمام الحسين عليه السلام حيث قال: "أيّها
النّاس، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطانًا جائراً
مستحلًّا لحرم الله ناكثًا لعهد الله مخالفًا لسنّة رسول الله يعمل في عباد الله
بالإثم والعدوان فلم يُغَيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقًّا على الله أن يدخله مدخله"،
إلى أن قال عليه السلام: "وأنا أحقّ من غيَّر"14.
عاقبة المفسدين:
بعد التأمّل في الآيات الشريفة نجد أنّ الله سبحانه وتعالى لم يمهل المفسدين
ليعاقبهم يوم القيامة بل جعل لهم عقوبة معجّلة في دار الدنيا، وكلّ عقوبة تتناسب مع
نوع الفساد الذي عثته كلّ طائفة. وأمّا جزاؤهم فقد أشار إليه القرآن الكريم في قوله
تعالى:
﴿إِنَّمَا
جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ
فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي
الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾15.
|