أبو سعيد الشيخ صالح بن درويش بن علي بن محمد حسين ابن زين العابدين الكاظمي النجفي الحلي البغدادي المعروف بالشيخ صالح التميمي الشاعر المشهور.
ولد في الكاظمية سنة 1218 وتوفي ببغداد لأربع عشرة ليلة بقيت من شعبان بعد الظهر سنة 1261 ودفن في الكاظمية, كان من بيت علم و أدب ربي في حجر جده الشيخ علي الزيني الشهير في مطارحاته مع السيد بحر العـلوم وغيـره فـي النجف, انتقل مع جده من الكاظمية إلى النجف فأقام برهة ثم سكن الحلة وبقي بها مدة حتى استقدمه والي بغداد داود باشا. أقول: هو في عصره كأبي تمام في عصره. وقد تولى رئاسة ديوان الإنشاء سنة 1235، وله شعر كثير مدح به الأمراء والأعيان والزعماء وله مؤلفات ذكرت بأسمائها وفي ديوانه المطبوع عدة مراسلات ومساجلات, ورثاه العالم الشيخ إبراهيم صادق العاملي والشيخ عبد الحسين محي الدين وعبد الباقي العمري وأعقب ولدين: محمد سعيد ومحمد كاظم. وكتب عنه الدكتور محمد مهدي البصير في (نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر) وجمع له مساجلاته ونوادره.
وقال عنه: أما صفاته فإنها من أجمل وأفضل ما يتحلى به إنسان ـ كان رحمه الله خفيف الطبع عذب الروح حلو المعاشرة حاضر النكتة غزير الحفظ واسع الرواية قيل له: كم تحفظ من بدائع الشعر وروائعه فأجاب: لو لا أن شيخي أبا تمام جمع محاسن الجاهليين والإسلاميين في حماسته المشهورة لجمعت أنا لكم من حفظي هذه الحماسة. وكان يجل أبا تمام كثيرا ويعجب به إعجابا شديدا ويـعده إماما له، والغريب انه رثاه على بعد ما بينهما من الزمن بقصيدة بليغة يقول فيها:
يـا راكـبا وجناء عيديه1 | لـم يترك الوخد لها من سنام |
إن جـئت للحدباء قف لي بها | وأبـلغ أبـا تمام عني السلام |
وقـل لـه بشراك يا خير من | سام القوافي الغر من نسل سام |
فـضلك أحـياك كأن لم تبت | بـالخلد هاتيك العظام العظام |
وقد اقترح عليه نظم هذه القصيدة الوزير علي رضا باشا على أن تتضمن قصة مقتل الحسين عليه السلام 2
أمـا ان تـركى موبقات الجرائم | وتـنزيه نـفسي عن غوي وآثم |
وأجـعل لـله الـعظيم وسـيلة بها | لي خلاص من ذنوب عظائم |
وأخـتم أيـامي بـتوبة تـائب | يـذود بـها عـقبى نـدامة نادم |
ومن لم يلم يوما على السوء نفسه | فـلم تـغنه يـوما مـلامة لائم |
عـلى أنني مستمطر غزر صيب | من العفو يهمي عن غزير المكارم |
فـكم بـين مـنقاد الى شر ظالم | مـنيبا ومـنقاد الـى خير راحم |
وان كـنت مـمن لا يفيء لتوبة | ولا لـطريق الـرشد يوما بشائم |
سـأمحو بـدمعي في قتيل محرم | صـحائف قـد سودتها بالمحارم |
قـتيل تـعفى كـل رزء ورزؤه | جـديد عـلى الايام سامي المعالم |
قـتيل بكاه المصطفى وابن عمه | (علي) واجرى من دم دمع (فاطم) |
وقـل بـقتيل قد بكته السما دما | عـبيطا فما قدر الدموع السواجم |
ونـاحت عـليه الـجن حتى بدا لها | حـنـين تـحاكيه رعـود الـغمائم |
اذا مـا سـقى الله الـبلاد فـلا سقى | مـعـاهد كـوفان بـنوء الـمرازم |
أتـت كـتبهم فـي طـيهن كـتائب | ومــا رقـمـت الا بـسم الاراقـم |
لـخير امـام قـام في الامر فانبرت | لــه نـكبات أقـعدت كـل قـائم |
اذا ذكــرت لـلطفل حـل بـرأسه | بـياض مـشيب قـبل شـد التمائم |
أن أقـدم الـينا يا بن أكرم من مشى | عـلى قـدم نـم عـربها والاعاجم |
فـكم لـك أنـصار لـدينا وشـيعة | رجـالا كـراما فـوق خـيل كرائم |
فـودع مـأمون الـرسالة وامـتطي | مـتون الـمراسيل الـهجان الرواسم |
وجـشـها (نـجد) الـعراق تـحفه | مـصاليت حـرب من ذوابة (هاشم) |
قـسـاوة يــوم الـقراع رمـاحهم | تـكـفلن أرزاق الـنسور الـقشاعم |
مـقـلدة عــن عـزمها بـصوارم لدى | الروع أمضى من حدود الصوارم |
أشـد نـزالا مـن لـيوث ضراغم | وأجـرى نـوالا من بحور خضارم |
وأزهـي وجـوها مـن بدور كوامل | وأوفـى ذمـاما مـن وفـي الذمائم |
يـلبون مـن لـلحرب غير محارب | كـمـا انـه لـلسلم غـير مـسالم |
كـمي يـنحيه عـن الضيم معطس | عـليه ابـاء الـضيم ضـربة لازم |
ومـد أخـذت فـي (نـينوى) منهم النوى | ولاحت بها للغدر بعض الملائم |
غــدا ضـاحكا هـذا وذا مـتبسما | سـرورا ومـا ثـفر الـمنون بباسم |
ومـا سـمعت أذني من الناس ذاهبا | الـى الـموت تـعلوه مـسرة قـادم |
كـأنهم يـوم (الـطفوف) ولـلضبا | هـنـالك شـغل شـاغل بـالجماجم |
أجــادل عـاثت بـالبغاث وانـها | أشـد انـقضاضا مـن نجوم رواجم |
لـقد صبروا صبر الكرام وقد قضوا | عـلى رغـبة مـنهم حقوق المكارم |
الى أن غدت أشلاؤهم في عراصها | كـأشلاء قـيس بين تبنا وجاسم |
فـلهفي لـمولاي الـحسين وقدغدا | فـريدا وحـيدا في وطيس الملاحم |
يـرى قـومه صرعى وينظر | نسوة تـجـلببن جـلباب الـبكا والـمآتم |
هناك انتضى عضبا من الحزم | قاطعا وتـلك خـطوب لم تدع حزم حازم |
أبـوه عـلي أثـبت الناس في اللقا | وأشـجع مـمن جاء من صلب آدم |
يـكر عـليهم مـثلما كـر حـيدر | عـلى أهـل بـدر والنفير المزاحم |
ولـمـا أراد الله انـفـاذ أمــره | بـأطوع مـنقاد الـى حـكم حاكم |
أتـيـح لـه سـهم تـبوأ نـحره تـبوأ | نـحري لـيته وغـلاصمي |
فهدت عروش الدين وانطمس الهدى | وأصـبح ركن الحق واهي الدعائم |
وأعـظم خـطب لا تـقوم بـحمله | مـتون الـجبال الـراسيات العظائم |
عـويل بـنات المصطفى مذأتى لها | جـواد قـتيل الـطف دامي القوائم |
فـوا حـر قـلبي لـلنساء بـحرقة | يـحمن عـليه فـي قـلوب حوائم |
يـنحن كـما نـاح الـحمام وبـالبكا | لـنا مـثل مـا قد رنقت من مطاعم |
فـيا وقـعة كـم كدرت من مشارب | فـصبري عـلى مـا نابكم غير سالم |
بني المصطفى ما | عشت أو دمت سالما |
لـكي لا تزول الارض عن | مستقرها والا فـأنـتم فــوق هـام الـنعائم |
فـلو أن لـي حـظ عـظيم تـقدمت | حـيـاتي بـعـصر سـالف مـتقادم |
وصـلت عـلى أعـدائكم بـفوارس | أشـداء فـي الـهيجاء من آل (دارم) |
وان فـات نصر السيف سوف | أعينكم بـنظم كـبا مـن دونـه نـظم ناظم |
ومـا صـالح ان لـم تـعينوه صالح | ومـا عـد الا مـن بـغاة الـمظالم |
عـليكم سـلام الله مـا هـبت الصبا | ومـا حـرك الاغـصان مر النسائم |
وللشيخ صالح التميمي
مـا بـال جـفني مـغرم بسهاده | وغـزير دمـعي لـم أفز بنفاده |
لا في سعاد صبا فؤادي في الصبا | فـأقول قـلبي قـد لـها بسعاده |
كـلا و لا أطـلال بـرقة منشد | بـرقت مـدى الايـام في انشاده |
لـكن مـصارع فـتية في كربلا | سلبت بسيف الحزن طيب رقاده |
قـتلى وفـيهم من دؤابة (هاشم) | أسـد سـعى لـلموت في آساده |
يـا للرجال لطود (أحمد) مذ ثوى | قـدما وريـع الـدين في أطواده |
يـا للرجال لنكبة (الزهراء) في | أبـنـائها والـطهر فـي أولاده |
أبـكي الـقتيل أم النساء حواسرا | يـندبنه ويـلذن فـي (سـجاده) |
أم أنـدب (العباس) لما أنمضى | والـبر قـد غص الفضا بصعاده |
يبغي الوصول الى الفرات ودونها | بـيض كـساها فـيلق بـسواده |
فـأتى دوين الماء فاعتاق الردى | هـمم سـمت لـلمجد فوق مراده |
أبـكي لمقطوع اليدين وقد قضى | ضـمأ ونـار الـوجد ملء فؤاده |
ألذاك أبكي أم (سكينة) اذ دعت | يـا عـمتا كهفي هوى بعماده |
هـذا أبي ملقى وأذيال الصبا | عـزمت له ما سل من أبراده |
يـا آل بيت محمد حزني لكم | مـتحكم والـهم مـن أوتـاده |
أنـا (صـالح) ان أنتم أنعمتم | بـقبول ما قصرت في انشاده |
وله أيضا
ألا مـن مـبلغ الشهداء أني | نهضت لشكر هم بعد القعود |
رجـال طلقوا الدنيا ومن ذا | صـبا لـطلاق كاعبة النهود |
رأوا خـمر الـفناء الذ طعما | غـداة الطف من طعم الخلود |
دعـاهم نـجل فـاطمة بيوم | يـشيب لـذكره رأس الوليد |
دعـاهم دعوة والحرب شبت | لـظى من دونها ذات الوقود |
فـقل مـن سيد نادى عبيدا | عـراة الذات من شيم العبيد |
أسـود بـالهياج اذا الـمنايا | رمـت ظـفرا ونابا بالاسود |
كـأن رمـاحهم تـتلو اليهم | لـصدق الطعن أوفوا بالعقود |
اذا مـا هـز عسال تصابوا | كـما يـصبى الى هز القدود |
بـنفسي والورى أفدي كراما | تـجنب حزمهم نقض العهود |
بنفسي والورى أفدي جسوما | مـجزرة عـلى حر الصعيد |
بنفسي والورى أفدي رؤوسا | تشال على الرماح الى (يزيد) |
كـأني يابن (عوسجة) ينادي | وريـح الموت يلعب بالبنود |
هلموا عانقوا بيض المواضي | ولا كـعناقكم بـيض الخدود |
فـليس يـصافح الحوراء الا | فـتى يهوى مصافحة الحديد |
رأوا فـي كربلا يوما مشوما | فـفازوا مـنه في يوم سعيد |
وكـدر عيشهم حرب فجادت | لـهم عـقباه في عيش رغيد |
ألا يـا سـادتي حزني عليكم | نفي عن ناظري طيب الهجود |
أحـاذر أن يقال هل امتلأتي | فـكان جـوابها هل من مزيد |
أعيذوا (صالحا) منها وكونوا | لـه شـفعاء في يوم الخلود |
مـنعتم مـن ورد الماء قسرا | وفـزتم بـالهنا وقت الورود |
* ادب الطف ـ الجزء السابع22_ 30
1- عيدية نسبة الى فحل شهير من فحول الابل .
2- ديوان التميمي.
3- ذكر الحموي في معجم البلدان: تبنى بالضم ثم السكون وفتح النون, بلدة بحوران من أعمال دمشق قال النابغة: فلا زال قبر بين تبنى وجاسم عليه من الوسمي جود ووابل