الشيـخ محمـد بن الشيخ علي بن ابراهيم آل نصار الشيباني أو الشبامي اللملومي 1النجفي المعروف بالشيخ محمد بن نصار. وهو من أسرة أدب وعلم، أصلهم من لملوم سكنوا النجف لطلب العلم وتوفي منهم في طاعون سنة 1247 ما يقرب من أربعين رجلا طالبا للعلم وهم غير أسرة آل نصار المعروفين في النجف الذين منهم الشيخ راضي رحمه الله يسكنون محلة العمارة.
والمترجم له فاضل أديب له شعر باللغتين الفصحى والدارجة وقل ما ينعقد مجلس عزاء للحسين عليه السلام فلا يقرأ شعره الدارج. ولعل السر أن الناظم كان من أهل التقوى، ولشدة حبه لاهل البيت سمى كل أولاده باسم علي وجعل التمييز بينهم في الكنية فواحد يكنى بأبي الحسن والثاني بأبي الحسين وهكذا.
وجاء في شعراء الغري: الشيخ محمد نصار بن الشيخ علي ابن ابراهيم بن محمد الشيباني اللملومي الشهير بـ (ابن نصار) شاعر معروف وأديب شهير ذكره صاحب (الحصون المنيعة) فقال: كان فاضلا كاملا, أديبا لبيبا, شاعرا ماهرا, حسن المعاشرة صافي الطوية صادق النية، وكان أكثر نظمه على طريقة نظم البادية حتى نظم واقعة الطف من أولها الى آخرها على لغتهم يقرؤها ذاكروا مصاب الحسين عليه السلام في مجالس العزاء وله في هذا النظم القدح المعلى, وكان رحمه الله من أخص أحبابي حين مهاجرتي من كربلاء, أيام والدي وبقائي في النجف لتحصيل العلم, وقد كان يتلو لي أغلب ما كان ينظمه في القريض ولكني كنت في شغل عن كتبه وثبته في الدفاتر.
توفي رحمه الله في جمادي الاولى من عام 1292 وقد ناهز عمرة الستين ودفن في رأس الساباط من الصحن الشريف بين قبر المرحومين: ميرزا جعفر القزويني وقبر السيد حيدر الشاعر, وخلف ولدين: الاكبر الشيخ جعفر (2) كان في سلك أهل العلم, والاصغر من الكسبة.
وذكره صاحب التكملة فقال: عاشرته ورافقته مدة فحمدت صفاته خفيف الروح رقيق الحاشية, كثير الدعابة الى تقى وديانة وتمسك بالشرع جدا.
ومن طريف ما حدث به انه قال: قصدت قبر الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان في سنة 1285 هـ فامتدحته بقصيدة ـ وأنا في الطريق ـ على عادة الشعراء في قصدهم الملوك, وأكملتها قبل دخولي المشهد الشريف بيوم واحد, وكان مطلعها
يا خليلي غلسا لا تريحا | أوشكت قبة الرضا أن تلوحا |
ومنها قوله
ان قبرا لا طفت فيه ثراه | منع المسك طيبه أن يفوحا |
قال رحمه الله: فلما دخلت المشهد الشريف وزرته ونمت
تلك الليلة, رأيت في منامي الامام الرضا عليه السلام جالسا على كرسي في روضته الشريفة فسلمت عليه وقبلت يديه فرحب بي وأدناني, وأعطاني صرة, وقال افتحها ففيها مسك أذفر ففتحتها فوجدت فيها فتاتا لا رائحة له, فقلت لا رائحة له, فتبسم الرضا عليه السلام وقال: ألست القائل:
ان قبر لا طفت فيه ثراه | منع المسك طيبه أن يفوحا |
فهذا مسك أذفر منع طيب ثرى قبري رائحته. فانتبهت وأنا فرح بما شاهدت.
ومن قوله في رثاء الامام الحسين عليه السلام
يـا مـدلجا فـي حندس | الـظلماء بـكرا مـقحما |
ان شـمـت لـمعة قـبة | الـمولى فـعرج عـندما |
واخـضـع فـثمة بـقعة | خـضعت لادنـاها السما |
واحث التراب على الخدود | وقـل أيـا حامي الحمى |
يـا مـخمدا يـوم الوغى | لـهب الـوطيس اذا حمى |
ومـفـلقا هــام الـعدى | ان سـل أبـيض مـخذما |
ومـنظما صـيد الـورى | ان هــز أسـمر لـهذما |
قـم فـالحسين بـكربلاء | طـريـدة لـبني الامـا |
قــد أمـه جـيش بـه | رحـب الـبسيطة أظـلما |
مـقتادة شـعث النواصي | كــل أجــرد أدهـما |
فـتـقاسمتها الـسمهرية | والـمـواضي مـغـنما |
وغـدا ابن احمد لا يرى | الا الـقـنا والـمـخذما |
فـهـنـالكم أم الـعـدى |
بـطل الـبسالة معلما3 |
وقال في العقيلة زينب الكبرى
هـاج وجـدي لزينب اذ عراها | فـادح فـي الطفوف هد قواها |
يوم أضحت رجالها غرضا للنب | ل والـسمر فـيه هـاج وغاها |
ونـعت بـين نـسوة ثـاكلات | تـصدع الهضب في حنين بكاها |
آه والـهـفتاه مــاذا تـقاسي من | خطوب تربو على ما سواها |
ولـمن تسكب المدامع من | عين جـفـا جـفنها لـذيذ كـراها |
ألـنـهب الـخـيام أم لـعليل | نـاحل الـجسم أم عـلى قتلاها |
أم لاجـسامهم عـلى كثب الغب | راء مـخضوبة بـفيض دماها |
أم لرفع الرؤوس فوق عوالي ال | سمر أم رض صدر حامي حماها |
أم لاطـفالها تـقاسى سياق ال | مـوت أم عظم سيرها وسراها |
أم لـسير الـنساء بين الاعادي | ثـاكلات يـندبن يـا آل طاها |
وهـي مـا بينهن تندب من قد | نـدبته الامـلاك فـوق سماها |
وقال في العقيلة زينب الكبرى أيضاً
فـأتته زيـنب بـالجواد تقوده | والـدمع مـن ذكر الفراق يسيل |
وتـقول قد قطعت قلبي يا أخي | حـزنا فـيا ليت الجبال تزول |
فلمن تنادي والحماة على الثرى | صـرعى ومـنهم لا يبل غليل |
مـا فـي الخيام وقد تفانا أهلها | الا نـسـاء ولّــه وعـلـيل |
أرأيـت أخـتا قـدمت لشقيقها | فـرس المنون ولا حمى وكفيل |
فـتبادرت مـنه الدموع وقال | يا أخـتاه صـبرا فالمصاب جليل |
فبكت وقالت يا ابن أمي ليس لي | وعليك ما الصبر الجميل جميل |
يا نور عيني يا حشاشة مهجتي | مـن لـلنساء الـضائعات دليل |
ورنـت الـى نحو الخيام بعولة | عظمى تصب الدمع وهي تقول |
قوموا الى التوديع ان أخي | دعا بـجـواده ان الـفراق طـويل |
فـخرجن ربات الخدور عواثرا | وغـدا لها حول الحسين عويل |
الله مـا حـال العليل وقد رأى | تـلك الـمدامع لـلوداع تسيل |
فـيقوم طـورا ثـم يـكبو تارة | وعـراه مـن ذكر الوداع نحول |
فـغدا يـنادي والـدموع بوادر | هل للوصول الى الحسين سبيل |
هـذا أبـي الـضيم ينعي نفسه | يـا لـيتني دون الابـي قـتيل |
أبـتاه انـي بـعد فـقدك هالك | حـزنا وانـي بـعدكم لـذليل |
ووجدت في بعض المخطوطات الحسينية ملحمة كبيرة للشيخ محمد نصار في الامام الحسين عليه السلام, على وزن ملحمة الدمستاني, وأولها:
شيعة المختار نوحوا واندبوا فخر الفخار | بدموع جاريات من أماقيها غزار |
* ادب الطف ـ الجزء السابع233_ 239
1- لملوم قرية كانت على شاطيء الفرات, اندرست في حدود 1220 هـ وتفرق أهلها في البلاد لذهاب الماء عنهم بانتقال مجرى الفرات عنها, سكن معظم أهاليها قرية الشنافية, وكان والد المترجم له قد سكنها الى أن مات فيها, كذا ذكر صاحب الحصون المنيعة.
2- توفي بالمشخاب يوم السبت 29 من جمادي الاولى سنة 1356 هـ ونقل الى النجف ودفن في الصحن الشريف بالقرب من والده.
3- عن مجلة (العدل الاسلامي) السنة 2 العدد 6.