السيد مهدي الأعرجي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد علي الحسيني الأعرجي البغدادي. ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة 1322 هـ. درس فن الخطابة على خاله الخطيب الشهير الشيخ قاسم الحلي زاول نظم الشعر وعمره أربعة عشر سنة.
وأول قصيدة نظمها هي قصيدته في رثاء الإمام الحسن السبط عليه السلام .
وابكوا عليه فذى الأملاك تبكيه |
قضى الزكي فنوحوا يا محبيه |
من حسينياته
غوادي الدمع لا الغيث العميم |
سـقت ربـعاً بـسلع فالغميم |
درس العربية والعروض على العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي رحمه الله. توفي السيد مهدي سنة 1359 هـ. غريقاً بشطّ الفرات في الحلة يوم الخامس من شهر رجب. جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب وتزيد صفحاته على الثلثمائة وله مخطوطات كتبها بيده وخطه الجميل في المراسلات والتواريخ وغيرها وأرجوزة في تواريخ المعصومين أكبر من أرجوزة الشيخ الحر العاملي ، أصيب بانحلال في الأعصاب تعتريه غفوات مع سكتة لكنه يقظ حي الشعور ، فطن يقوم بواجبه أحسن قيام متدين ورع لم يعبأ بالعسر الذي لازمه وألح عليه.
كانت محافل الأدب مستمرة في النجف فلا يكاد يقترن أحد الادباء إلا وتقام له المحافل الشعرية كل يوم عصراً لمدة ربما استمرت شهراً واحداً أو أكثر لذا تجد الكثير من الأدباء يحتفظ بمجموع أدبي شعري وكان الأعرجي خصب القريحة يشارك في أكثر الحلبات مجلٍّ في مواقفه ومن مميزاته سرعة البديهة والقدرة على نظم الشعر بسرعة فإذا طالبته بنظم قصيدة إعتزل ساعة ثم أخذ يطبق جفنيه ويفتحهما ويكتب ، وكثيراً ما يسبق شعوره قلمه. لقد رويت للأخ الخاقاني مرة عن نبوغ هذا الشاعر وسجّل ما رويت له في شعراء الغري.
وللسيد الأعرجي ظرف وخفة روح بالرغم من الجهمة التي لا تفارق محياه فلا تكاد تفوته النادرة والنكتة ، فقد دار الحديث مرة عن البلهاء والمغفلين فروى لنا أن أحدهم كان يدير بمسبحته ويذكر الله ويريد أن يقول في الجزء الأول الله أكبر ، وفي الجزء الثاني : سبحان الله ، وفي الجزء الثالث : الحمد لله ولكنه غفل في الجزء الثاني وضلّ يردد سبحان الله ثم انتبه فأراد أن يسترجع الزائد فجعل يقول : لا سبحان الله ، لا سبحان الله
أما ولاؤه لأهل البيت وتفانيه في حبّهم فهومن ألمع ميزاته ولا زلت أتمثله في المآتم الحسينية يجهش بالبكاء وقد أفنى عمره في خدمة المنبر الحسيني وهذه روائعه ومراثيه تذيب الصخر إذ أنها تنصبّ من منبع الألم والثكل وقلب مكلوم.
سليب الثوب مسبيّ الحريم |
ومـقتول بجنب النهر ظام |
وإلى جانب هذه الموهبة بالفصحى فهو ذا ملكة قوية بالنظم باللغة الدارجة متفنن فيها ففي الموال والأبوذية والشعر الدارج لا يُجارى وهناك ميزة يتفرّد بها وهي قدرته على نظم الهزل فكان في شهر ربيع الأول يوم الرابع عشر منه وهو يوم هلاك يزيد بن معاوية يسمعنا من نظمه ما يضحك الثكلى فهناك اصطلاحات تختص بها الأقطار والأمصار والبلدان وترى البعض ينتقد البعض ويضحك منها فهو ينظمها ثم ينوّع القصيدة فبيت بالفارسية وآخر بالتركية وثالث بالكردية ورابع بالهندية ومصطلحات الشرقي والغربي وهكذا ، وهذا مما يكاد ينفرد به :
ومن حسينياته
هـلا تـثير وغـى فتدرك ثارها |
مـا بـال فـهر أغـفلت أوتارها |
وله من التخاميس والتشاطير شيء كثير وقد أثبتّ في مؤلفي (سوانح الأفكار) جملة من ذلك ، حتى أنه خمّس بعض القصائد بكاملها ومنها قصيدة السيد جعفر الحلي الحسينية وأولها
وربيع أيامي عليّ محرم |
وجه الصباح عليّ ليلٌ مظلم |
وهي 75 بيتاً. كما روي لي من نظمه تخميس ميمية السيد حيدر الحلي التي أولها
فلا مشت بي في طرق العلا قدم |
إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم |
وروي لي من نظمه تخميسه بيتين للسيد رضا الهندي في وداع زينب الكبرى لجثة أخيها الحسين عليه السلام
بـها الـعدى فـأطالت منهم نظرا هـمّت لـتقضيَ من توديعه وطرا |
مـرّت بـهم زينب لما نووا سفرا ومذ رأت صنوها في الترب منعفرا |
وقد أبى سوط شمر أن تودعه
ورمـح زجـر مـتى تبكيه قنّعها فـفـارقته ولـكن رأسـه مـعها |
إذا دنـت منه سوط الشمر أرجعها فـلم تـودّع مـحاميها ومـفزعها |
وغاب عنها ولكن قلبها معه
ومن روائعه في الولاء قوله في الشهيد مسلم بن عقيل
فيه سموت إلى السماك الأعـزل حيث الرسول يكون عقل المرسل |
يكفيك يا ابن عقيل فخراً في الورى إذ في رسالتـه الحسين لك ارتضى |
وقال
وعج لعليِ غوث كل دخيل وباب عليٍ مسلمُ بن عقيـل |
أزائر أكتاف الحمى إبدء بمسلم فإن علي المرتضى باب أحمد |
ويقصد الإمامين الكاظمين ويقف على المرقد ويقول
لأشكو ما بقلبي من لواعج وهذا للورى باب الحوائج |
لموسى والجواد أتيت أسعى فذا باب المراد لمـن أتـاه |
ومن قصائده الشهيرة قصيدته في الشهيد مسلم بن عقيل وأولها
واعقل وقف فيها وقوف متيم |
هذي مرابعهم فحيّ وسلّم |
وأخرى في زيد الشهيد إبن الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأولها
لأسقيه إن شحّ الحيا هاطل الدمع |
خليليّ عوجا بي على ذلك الربع |
وثالثة يذكر فيها أبا الفضل العباس حامل لواء الحسين عليه السلام يوم كربلاء ، أولها
وإلى مَ بالتذكار قلبك مغرم |
كم ذا على الأطلال دمعك يسجم |
ورابعة في الصديقة الزهراء عليه السلام بنت الرسول الأعظم ، أولها
باكرك الغيث صباحاً ومسا |
يا أيها الربع الذي قد درسا |
وخامسة في الامام موسى الكاظم عليه السلام ، أولها
إلا بحسن تصبري وفؤادي |
رحلوا وما رحلوا أهيل ودادي |
ولنقتطف من ديوانه بعض الروائع ، قال مخمساً
وهـيّم الـقلب فـاستطارا وأهيف من بني النصارى |
شبّ الهوى في الفؤاد نارا لـشادن يـشبه الـعذارى |
بسهم ألحاظه رميتُ
بـيضاء قد فاقت الشموسا خالف في المعجزات عيسى |
لـه يـدٌ تـبهج الـنفوسا فـهو وإن كان مثل موسى |
فذاك يحيي وذا يميتُ
وقال في مريض لاذ بحرم أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي عليه السلام
فشافاني العبـاس من مـرض السل لي الفضل إذ أني عتيق (أبي الفضل) |
لقـد كنتُ بالسلّ المبرح داؤه ففضّلت بين الناس قدراً وإنما |
وقال في رثاء الحسين عليه السلام ، وأولها
قد محاه مرّ السنين الخوالي |
ما بكائي لرسم ربع بالي |
وقال في مطلع قصيدة عند مطلع شهر المحرم
عجل الخسوف له ولم يتمم |
ليت الهلال هلال شهر محرم |
وسجّلتُ في مؤلفي (سوانح الأفكار) قصيدته في شباب كربلاء يوم الحسين عليه السلام ، وأولها
إن المصير إلى الممات |
لا تركنن إلى الحياة |
وقال في مطلع مرثية للإمام الحسين عليه السلام
واسقي ثراها بالدموع الذرف |
هذي الطفوف فقف بها واستوقف |
وقال في الحسين عليه السلام وأولها
وإلى متى أكبادنا حرّى |
حتى متى أجفاننا عبرى |
كتب عن الشاعر وترجم له جملة من الباحثين وقالوا :كانت سنة وفاته هي الثامنة والخمسين بعد الثلثمائة والألف ، والصحيح هي التاسعة والخمسين بعد الثلثمائة والألف.