هو الحاج عبد المجيد بن محمد بن ملا أمين البغدادي الحلي الشهير بالعطار، ولد ببغداد في شهر ذي القعدة عام 1282 هـ. في محلة صبابيغ الآل، وهاجر به وبأبيه جده ملا أمين وهو طفل صغير، فنشأ في الحلة.
وبعد وفاة والده، وبلوغه سن الرشد فتح حانوتاً في سوق العطارين في الحلة، وصار يمتهن بيع العقاقير اليونانية حتى غلب عليه لقب (العطار) وقد اتصل بأهل العلم والأدب وأكثر من مطالعة دواوين الشعر وكتب الأدب، حتى استقامت سليقته وتقوّمت ملكته الأدبية، وكانت الحلة آنذاك سوق عكاظ كبير، ومجمع الادباء والشعراء في تلك الحقبة الزاهية من تاريخها، يختلف اليها النابهون والمتأدبون.
أتقن اللغة التركية والفارسية وتأدب بهما، كما أتقن الفرنسية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية، وكان أن عُرضت عليه وظيفة حكومية بدرجة عالية، إبان الحكم العثماني بناءً على ثقافته ودراسته، إلا أنه امتنع عن اشغالها لاعتقاده بعدم جواز التعاون مع حكومة لا تقوم على أساس الإسلام الصحيح، وان ما سيتسلمه من مرتب هو غير حلال".
وقد كان المترجم له "فائق الذكاء، سريع الخاطر، متوقد الذهن، حاضر البديهة، أجاد في النظم، وأتقن الفارسية والتركية، وترجم عنهما كثيراً كما ترجم كثيراً من مفردات ومثنيات الشعر الفارسي والتركي، إلى العربية شعراً.
وقد امتاز (رحمه الله) بسمو أخلاقه وعفه نفسه، ووفائه لأصدقائه، لذا كان حانوته ندوة أدب، ومنتدى فكر، ومدرسة شعر، يختلف اليه الادباء والعلماء، كما يؤمّه الشعراء والمتأدبون...
ولما ثار الحليون على السلطة التركية 1334 هـ. وسادت الفوضى فيها خشي المترجم له سوء العاقبة، وخشي هجوم الأتراك لارجاع سلطتهم ثانية، وفتكهم فيها (كما وقع فعلاً بعد ذلك في واقعة عاكف) انتقل بأهله الكوفة التي كان قد "بنى فيها داراً وعقاراً قبل هذه الحوادث" وأقام فيها حتى توفي فيها في السادس عشر من ذي القعدة سنة 1342 هـ. ودفن في النجف الأشرف.
كان (رحمه الله) قد تضلع في فن التاريخ، وأتقن منه ألواناً، كان ينظمه ارتجالاً، مما كان يثير استغراب أهل الفن.
قال اليعقوبي: "ولم شاهد أبرع من المترجم له ولا أبدع منه في هذا الفن، فقد كان ينظم التاريخ الذي يقترح عليه مع ما يناسبه من الأبيات قبله دون اشغال فكرة، أو إعمال روية، كأنه من كلامه المألوف وقوله المتعارف، وله فيه اختراعات لم يسبقه اليها وقد برع في نظم التواريخ الشعرية وتفوّق في هذا الفن على معاصريه.
وأكثر شعره (رحمه الله) في رثاء آل البيت ومدحهم (عليهم السلام) مما كان يتناقله الخطباء والقراء والذاكرون، لجزالته وسلاسته، وقليل ما يتجاوز ذلك في مناسبات خاصة في تهنئة أو مديح بعض الفضلاء من العلماء، أو ممن تربطه بهم وشائج الاخوة والوفاء.
ومن روائعه ما قاله في احدى زياراته للإمام الحسين عليه السلام عندما تعلق بضريحه الشريف:
يدي وجناحا فطرس قد تعلـقا بجاه ذبيح الله وابن ذبيحه
فلا عجب أن يكشف الله ما بنا لأنا عتيقاً مهده وضريحه
وقال مخاطباً للإمام عليه السلام:
لمـهدك آيات ظهرن لفطرس وآيـة عيسى أن تـكلّم في المهدِ
لئن ساد في أُمٍّ فأنت ابن فاطم وان ساد في مهد فأنت أبو المهدي
وفطرس اسم ملك من ملائكة الله قيل قد جاء به جبرائيل إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله عندما بعثه الله لتهنئة النبي بالحسين ليلة ولادته، فتبرك الملك بمهد الحسين عليه السلام ومضى يفتخر بأنه عتيق الحسين كما ورد في الدعاء يوم الولادة: وعاذ فطرس بمهده ونحن عائذون بقبره.
وقوله (وإن ساد في مهدٍ فأنت أبو المهدي) لئن كان عيسى قد تكلم في المهد صبياً فالحسين أبو أئمة تسع آخرهم المهدي حجة آل محمد والذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
وقد ضاع أكثر شعره، حيث أنه كان ممن لا يعنون بجمع أشعاره أو تدوينها، مما نُسيَ أكثره ولم يبق منه غير ما حفظته الصدور، ومما سُجّل له في بعض المجاميع الشعرية الخاصة ممن كانوا يعنون بجمع أدب تلك الفترة مما هو مبعثر الآن في النجف والحلة والهندية وبغداد وكربلاء.
وله في الإمام الحسين عليه السلام:
أوجعت قلب الدين يا شهر آل الـنبي وشـانك الغدر أنـى وعـندك كم لهم وتر مـنها يـكاد الـدمع يحمرّ بالطف يكسف عندها البدر أيـامها الأعـياد والـبشر نهبت حشاه البيض والسمر حـتى يضم عظامي القبر فـكأن لا بـلد ولا مـصر بمنى فكان قضاءها النحر حـجراً إذا هو فاته الحجر أذكـى لهيب فؤاده الجمر فـوق الصعيد نسائك جزر انتظم المصاب ودمعه نثر نـزل الـبلاء وأُبرم الأمر لـوث الإزار وعيشها نكر آذانـهم مـن وعـظه وقـر آيـات فـصل دونـها العذر فالأحـزاب يـوم تتابع الكفر بـلغ الـمرام بـفتكه شـمر عـظمى تـحير عندها الفكر ذهـب الـردى بعلاك يا فهر بـلغت بـه آمـالها صـخر كـالبدر حـين تحفها الزهر دمـهـم لآل امـيـة هـدر مـثل الـبدور تـقلّها السمر بـالطف لا سـجف ولا خدر بعد الحجال يروعها الأسر |
شـهر المحرم فاتك العذر فكأن شيمتك الخلاف على يا شهر هل لك عندهم ترة لا ايـبضّ يومك بعد نازلة غـشيت هلالك منه غاشية سـلب الأهلة بشرها فغدا أيـطيب عيش وابن فاطمة تالله لا أنـساه مـضطهداً ومـشرداً ضاق الفضاء به مـنع الـمناسك أن يوديها أفـديه مـستلماً بـجبهته أو فـاته رمي الجمار فقد يـسعى لاخوان الصفا وهم ويطوف حول جسومهم وبه حـتى إذا فقد النصير وقد سـئم الـدنية أن يقيم بها وعـظ الكتائب بالكتاب وفي فـانـصاع يـسمعهم مـهنده فـأبوا سـوى مـا سنّه لهم حـتى جرى قلم القضاء بما الله أكــبـر أي حـادثـة يـا فهر حيّ على الردى فلقد هـذا حـسين بالطفوف لقى حـفّت بـه أجـساد فـتيته أمـن الـمروءة أن أُسـرتَكم أمـن الـمروءة أن أرؤسهم أيـن الأبـاء وذي حرائركم أسـرى على الأكوار حاسرة |
وروى له جملة من تواريخه البديعة وأشعاره الرقيقة منها قصيدته في الإمام موسى الكاظم عليه السلام وأولها:
سل عن الحي ربعه المأنوسا هل عليه أبقى الزمان أنيسا
واخرى يرثي بها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ويصف مصرعه بسيف ابن ملجم ليلة 19 من شهر رمضان وأولها:
شهر الصيام به الإسلام قد فجعا وفي رزيته قلب الهدى انصدعا
وثالثة في الإمام الحسين عليه السلام:
هلّ المحرم والشجا بهلاله قد أرقّ الهادي بغصة آله
ومن نوادره قوله:
عليٌ من الـهادي كشقي يـراعـة هما واحد لا ينبغـي عـدّه اثنين
فما كان من غطش على الخط لايح فمن شعرات قد توسطن في البين
وقال مخمساً والأصل للخليعي ـ وقد مرت ترجمته:
اراك بحيرة ملأتك رينا وشتتك الهـوى بيـناً فبينا
فلا تحزن وقر بالله عينا إذا شئت النجاة فزر حسينا
لكي تلقى الاله قرير عين
إذا علم الملائك منك عزما تروم مزاره كتبوك رسما
وحرمت الجحيم عليك حتما لأن النار ليس تمسّ جسما
عليه غبار زوار الحسين
وله في استجارته بحامي الجار قسيم الجنة والنار حيدر الكرار:
من حمى المرتضى التجأت لحصنٍ قد حمى منه جانب العز ليث
فـحـبانا أمـنـاً وجـاد بـمـنّ فهو في الحالتين غوث وغيث
* ادب الطف - الجزء التاسع65_ 73