بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا شك فيه أن أعظم رأسمال يملكه الإنسان هو وقته وعمره الذي من خلاله يستطيع القيام بكل شئ، ومن دونه فإنه يبقى خالي الوفاض في الدنيا والآخرة. والانتقال بصناديق فارغة إلى عالم الآخرة له سببان أساسيان، إما أننا لم نحسن الاستفادة من وقتنا، وبالتالي كان جلّ عمرنا بطالة وفراغ. أو أننا اكتسبنا عادات سيئة فصارت هذه العادات والممارسات قرينة وقتنا وأعمارنا.
وفي كلتا الحالتين فإن الثمرة المترتبة على الاستفادة من أعمارنا تساوي صفراً. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره أربعة وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار، فخزانة يجدها مملوءة نورا وسرورا فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة مفزعة فيناله عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه، ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها أو اشتغل فيها بشئ من مباحات الدنيا، فيناله من الغبن والأسف على فواتها - حيث كان متمكنا من أن يملاها حسنات - ما لا يوصف، ومن هذا قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾1 .
مجتمعنا والمطالعة:
إن ما نسبته 80 % أو أكثر خصوصاً في مجتمعاتنا يعتذرون بضيق الوقت عن ممارسة عادة المطالعة والقراءة. فعمل الفرد يستغرق منه أهم فترة في نشاطه اليومي، وعندما يعود إلى منزله هناك مسؤوليات أخرى تترتب عليه، مما يجعله يذهب في آخر يومه إلى الفراش مرهقاً وعاجزاً حتى عن مطالعة صفحة واحدة من كتاب. أما عطلة نهاية الأسبوع فهي مخصصة للراحة التامة والتخلص من أعباء أسبوع متعب. وهكذا تمر الشهور والسنوات ويتخطى الإنسان مرحلة الشباب، فإذا به في مرحلة الشيخوخة قد استفردت به الأمراض، وصار موضوع المطالعة الذي لم يتعود عليه أيام شبابه من أشق الأمور على قلبه، ولذلك لا يبقى له إلا صديق واحد هو التلفاز، يؤنسه بغثه وسمينه من الصباح وحتى المساء. وإذا بهذا الإنسان قد صرف عمره فقط فيما يؤمّن له مأكله ومشربه، وكأن الله عزوجل خلق الإنسان في هذه الدنيا لهذه الغاية الضيقة والمحدودة!!
وقسم من هؤلاء الناس قد تكون بذرة حب المطالعة والقراءة مزروعة في نفوسهم ولكنهم يتحججون بالأعذار السابقة التي ذكرناها لكم. ولكن هؤلاء سيندمون أشد الندم وسيتحسرون على ما ضاع منهم فيما لو علموا أن المشكلة كل المشكلة كانت في طريقة إدارتهم لوقتهم.
إدراك مكمن المشكلة أول خطوة في العلاج: عدم إدراك هذه الفئة من الناس لمضيعات الوقت اليومية، وعدم تحديدهم لأولويات حياتهم، وعدم فهمهم لعامل إدراة الوقت جعلهم يضعون عادةً أساسية كالمطالعة على هامش الحياة، بل حتى خارج هذا الهامش.
عندما نتكلم عن تكوين عادة المطالعة وتسخير الوقت لها، فنحن لا نتكلم عن حتمية قضاء ست ساعات أو أكثر أمام صفحات الكتاب. إن إنقاذ ساعة من أعمارنا يومياً قد يكون مجدياً وفعالاً فيما لو سخرناها بتركيز كامل في هذه العادة الثمينة والراقية. خصوصاً إذا كانت هذه الساعة مما يداوم عليه يومياً. لان القليل مع الاستمرار خير من الكثير مع الانقطاع. فهل هذه الساعة غير متوفرة لدينا يومياً!!!؟
مضيعات الوقت اليومية:
جردة سريعة على أوقاتنا سنجد بعدها أن هناك الكثير من الشواغل التي لا علاقة لها بجوهر عملنا ووظيفتنا تأكل ساعات عديدة من أعمارنا، ولنضرب بعض الأمثلة:
1- كم من الوقت نقضيه في التكلم على الهواتف الثابتة أو المحمولة؟
2- كم من الوقت نقضيه في العبث في هواتفنا الذكية؟
3- كم من الوقت نقضيه أمام مواقع الانترنت عديمة الفائدة؟
4- كم من الوقت نقضيه أمام التلفاز مع برامج التسلية والمسلسلات الفارغة؟
5- كم من الوقت نقضيه في جلسات فارغة مع بعض الرفاق؟
6- كم من الوقت نقضيه في الشرود والتفكير السلبي والفارغ؟
وغير ذلك كثير...
خاتمة:
إن وضع المطالعة كهدف من أهداف حياتنا الأساسية، وجعلها على قائمة الأولويات وتحديد الثغرات ونقاط الضعف في لائحة أوقاتنا، ووضع الخطة المناسبة لمعالجة ذلك يساعد على إنقاذ ساعة أو أكثر لصالح تفعيل عادة المطالعة في حياتنا.
* فرع إعداد المواد في موقع المنبر
1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 2113.