بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
يحمل المفكرون في المجتمع مسؤولية التعرف على النواقص وأسباب انحطاط وسقوط المجتمعات البشرية ومن ثم محاولة الإجابة على حاجاتهم ومشكلاتهم، وعلى العلماء العمل بشكل جدي على استخراج الحلول المناسبة من المصادر والنصوص المتنوعة وتوضيح ذلك لأفراد المجتمعات وتبين طرق مواجهة الانحطاط والانحراف.
والإسلام كان له رأيه الخاص ببعض المسائل المستحدثة أمثال المواد المخدرة والادمان انطلاقاً من كونه ديناً ديناميكياً وعملياً، وأما مسؤولية علماء الدين والمفكرين المسلمين فهو إيصال صوت ورأي الإسلام إلى الجميع وتوعيتهم إلى هذه المسائل.
لا يخفى على العلماء والمفكرين أن مواجهة هذه الآفة الخطيرة من أهم المسائل التي يجب أن يطلعوا بها، ليساهموا في حركة المجتمع ضمن المسير الطبيعي والصحيح وليشجعوا ويؤسسوا للنشاط الثقافي الذي يساهم في القضاء على آفة الادمان والمواد المخدرة.
أما فيما يتعلق بالمواجهة الثقافية لمسألة الادمان والمواد المخدرة فيجب التذكير بضرورة ودراسة الخصائص الثقافية لكل مجتمع بالأخص في البعد العقائدي الديني على أساس أن الدين يلعب دوراً خاصاً ومميزاً في حياة الشعوب.
وأما في المجتمع الذي يدين أغلب أفراده بالدين الإسلامي فإن مسؤولية العلماء والمسؤولين الثقافيين العمل على توضيح ونشر المعارف والأخلاقيات والأحكام الدينية التي يكون بها سعادة البشر في الدنيا والآخرة وتضمن نجاتهم من معضلة المواد المخدرة والإدمان ويقع على عاتقهم مسؤولية شرعية وإلهية ألا وهي توضيح التكليف الإلهي الملقى على عاتق الأشخاص ليبادر هؤلاء للعمل وفق القانون الإلهي.
أما المواد المخدرة والادمان عليها فهي مشكلة عامة وعالمية وقد ألحقت أضراراً كبيرة بالمجتمعات على مدى التاريخ وقد أدت فيما أدت إليه إلى كثير من الفساد والانحراف في العقود الأخيرة.
شرح الوضع الحالي للإدمان على المواد المخدرة:
تعود جذور مشكلة الادمان على المواد المخدرة إلى السوماريين الذين عاشوا قبل ألف سنة عندما بدأوا استخراج زهرة الترياق. ويسجل التاريخ أن السوماريين استفادوا من الترياق كمادة مسكنة للآلام ثم شاع استعماله كمادة للادمان.
اتسعت دائرة هذه المعضلة لتشتمل على أكثر من 445،6 مليون شخص. وما يؤسف له أن هذه المعضلة أرخت بظلالها المؤلمة حتى على بلاد إسلامية محافظة كإيران.
لا يوجد إحصاء دقيق للمدمنين على المواد المخدرة قبل انتصار الثورة، لا بل هناك تعارض وتناقض في الاحصاءات التي قدمت. جاء في تقرير أعدته جمعية محاربة الترياق والمواد المخدرة عام 1322هـ.ش، أن عدد هؤلاء الأشخاص قد وصل إلى 1،5 مليون شخص تقريباً (أي ما يعادل 11% من مجموع السكان البالغ 14 مليون شخص). وجاء في تقرير آخر أن عدد المدمنين في العام 1346هـ.ش بين 300 إلى 400 ألف شخص.
وأعلنت المنظمات الدولية عام 1358 أن إيران في رأس قائمة الدول التي تمتلك مقداراً كبيراً من المدمنين بالنسبة لعدد السكان. وتتحدث الاحصاءات الأخيرة عن وجود حوالي المليوني مدمن في البلد.
وتشير بعض الدراسات إلى أن من بين 1،300،000 شخص الذين اعتقلوا بين الأعوام 1359- 1376هـ.ش لعلاقتهم بالمواد المخدرة أن 46% منهم كانوا مدمنين.
وإذا كان مقدار إنتاج المواد المخدرة قد ارتفع من 200 طن في العام 1359هـ. ش إلى 4500 طن في العام 1376هـ.ش فإن عدد المعتقلين قد ارتفع أيضاً. بالإضافة إلى ارتفاع مقدار المضبوطات الذي وصل في العام 1376هـ.ش إلى 197000 كيلو غرام.
وبإزاء ذلك ازداد عدد الأشخاص الذين يتوافدون إلى مراكز إعادة التأهيل حيث ارتفع من 5579 شخص في العام 1362هـ.ش إلى 29467 في العام 1376هـ.ش1.
الادمان من وجهة نظر الفقه وحقوق الجزاء:
هناك من يسأل: هل الادمان جريمة أو مرض؟ أما في الجواب فيجب القول:
1- لا شك في أن الادمان على المواد المخدرة واحد من مصاديق الإسراف والتبذير. وتشير الدراسات إلى أن الخسائر الاقتصادية المترتبة على الادمان في العام 1376هـ.ش في إيران قد بلغت 700 مليار تومان2.
وتحدث القرآن الكريم في أماكن متعددة حول حرمة الاسراف وكونه منكراً.
ألف: ﴿أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾3.
ب: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾4.
ج: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾5.
د: ﴿... وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ...﴾6.
نحن نعلم أن أغلب المواد المخدرة قد وجدت في العصر الراهن بحيث أنها لم تكن موجودة في زمان الرسول(ص) أو الأئمة الأطهار(عليهم السلام). لذلك لا نتوقع الحديث عنها في الروايات الشريفة مع العلم أن بعض الروايات تشير إلى بعض أنواع هذه المواد.
تتحدث بعض الآيات والروايات حول بعض المواد تحت عناوين كلية أمثال: المسكر، المضر... حيث يمكن تطبيق هذا العنوان الكلي على أنواع المواد المخدرة.
جاء في الأحاديث الشريفة:
ألف- عن النبي(ص) أنه قال: "سيأتي زمان على أمتي يأكلون شيئاً اسمه البنج أنا بريء منهم وهم بريئون مني"7.
ب- عن النبي(ص) أنه قال: "سلموا على اليهود والنصارى ولا تسلموا على آكل البنج"8.
ج- قال رسول الله(ص): "من احتقن البنج فقد كفر"9.
إذا أخذنا بعين الاعتبار الضرر المعتد به المترتب على استعمال المواد المخدرة فإن استعمال هذه المواد يعد من جملة موارد وضع النفس في التهلكة، يقول الله تعالى:-وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾10.
تمسك بعض فقهاء الشيعة والسنة بالآية الشريفة المتقدمة لاستنباط حكم الإضرار بالنفس.
الظاهر أن المرحوم الشيخ المفيد (رحمه الله) (ت 413هـ.ق) هو أول شخص تحدث عن الإسكار في المواد المخدرة11، ثم تحدث العديد من العلماء بعده حول المواد المسكرة.
وتحدث مراجع الشيعة منذ المرحوم آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني إلى يومنا هذا حول حرمة استعمال المواد المخدرة وقدموا فتاوى صريحة في هذا الإطار، ومن جملة الذين تحدثوا بوضوح آية الله العظمى البروجردي (رحمه الله) والإمام الخميني (قدس سره).
سؤال: ما هو حكم استعمال المواد المخدرة من قبيل الحشيش والترياق والهروئين والمورفين... بصور وأشكال مختلفة (الأكل، الشرب، التدخين، التزريق)؟
1- إجابة آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني بالحرمة حتى مع فرض عدم الادمان12.
2- وأجاب آية الله العظمى محمد علي الأراكي بأن استعمال المواد المخدرة على النحو المذكور هو من باب الإضرار بالنفس وهو حرام13.
3- وأجاب آية الله العظمى السيد علي خامنئي، بأن استعمال كل أنواع المواد المخدرة والاستفادة منها حرام شرعاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المضرات المعتد بها على المستوى الفردي والاجتماعي إلا في حالات استثنائية.
4- ويعتقد آية الله بهجت بحرمة استعمال الهروئين وأمثاله وأن كل ما يتعلق به له الحكم ذاته ولا يجوز بيعه وشراؤه ولا يجوز الادمان على الترياق.
5- ويعتقد آية الله مكارم الشيرازي بالحرمة.
6- ويعتقد آية الله موسوي أردبيلي بالحرمة وعدم الجواز.
7- ويعتقد آية الله يوسف صانعي بحرمة أي قسم من أقسام المواد.
8- أما آية الله التبريزي فيؤكد على عدم جواز الادمان على المواد المخدرة والتي هي نوع من الآفة الاجتماعية.
9- يقول آية الله نوري الهمداني: يحرم استعمال الترياق وسائر المواد المخدرة وحملها ونقلها للاستعمال والبيع والشراء.
10- لا شك في حرمة الادمان على المواد المخدرة في الفقه الإسلامي. وبما أن قانون الجزاء العمومي والإسلامي قد نشأ من الدين الإسلامي المقدس، فإن هذا العمل حرام أيضاً. وقد حدّد قانون العقوبات المترتبة على ذلك.
دور العلماء في مواجهة الادمان على المواد المخدرة:
يلعب المراجع العظام والعلماء الأعلام وأئمة الجمعة والجماعات والخطباء والوعاظ والمدرسين دوراً أساسياً ومؤثراً في الارشاد والتوعية.
وقد اعتبر الإمام الخميني(قده) أن الادمان على المواد المخدرة هي معضلة اجتماعية حيث أرجع التقنين لحل هه المعضلة إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، وقد طلب من جميع العلماء بذل الجهود لحلها.
واليوم يعتبر إنتاج وتوزيع واستعمال المواد المخدرة عملاً منكراً وعلى الجميع بالأخص الذين يمتلكون نفوذاً والذين يرتقون المنابر أن ينهوا الناس عن هذا المنكر ويحذروهم من خطرها بواسطة الأدلة وفتاوى العلماء.
وأما إذا لم نعمل فلن نحصل إلا على الندم حيث ستطغى الآثار السلبية للمواد المخدرة على مرافق كبيرة في الجمهورية الإسلامية.
* عباس كمساري- بتصرّف
1- بروشور تم توزيعه حول الوضع الحالي للادمان على المواد المخدرة في اليوم العالمي لمحاربة المواد المخدرة عام 1377هـ.ش.
2- حرب بلا حدود، مركز محاربة المواد المخدرة، ص10.
3- سورة المؤمن، الآية: 43.
4- سورة المؤمن، الآية: 28.
5- سورة الأعراف، الآية: 31.
6- سورة بني إسرائيل، الآيتان: 26- 27.
7- مستدرك الوسائل، ج3، ص145.
8- المصدر نفسه.
9- المصدر نفسه.
10- سورة البقرة، الآية: 195.
11- المقنعة، ص805.
12- مجمع المسائل، ج3، ص65.
13- رسالة توضيح المسائل، ص568.