بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر التبليغ وظيفة أنبياء وأولياء الله تعالى ويهدف إلى الهداية وزيادة المعرفة. وتقوم السيرة العملية والعلمية للعرفاء والعلماء الربانيين على قواعد الارشاد الإلهي وتوعية المجتمع.
أهمية التبليغ في أقوال وسلوك العرفاء يقول العارف المشهور المرحوم بهاري همداني حول أهمية التبليغ:
جاء في الحديث أن العلماء ورثة الأنبياء. ومما لا شك فيه أن المقصود بهذا الارث ليس الدراهم والدنانير، بل الارث من حيث الرسالة وتبليغ الأحكام وارجاع الناس عن الطريق المنحرف إلى الطريق المستقيم ...
وقد كتب صاحب كتاب "الفضائل المنسية" حول والده الحاج الملا عباس تربتي: "المرحوم الحاج علي أكبر تربتي أحد تلامذة الميرزا الأخوند الخراساني (ره) وهو من مجتهدي خراسان، اطلع على أحوال والدي، وأصبح لديه عقيدة افراطية فيه، فأصر عليه بالانتقال من القرية للعيش في مدينة "تربت". إلا أن والدي كان يعتذر عن ذلك رعاية لوضع والده. بعد أن توفى والده ازداد اصرار المرحوم الشيخ على والدي حتى أنه قال له: أنا وباعتباري حاكم شرع أقول لك: يجب عليك الانتقال إلى مدينة "تربت" وإذا كنت لن تنتقل فسأرسل الجمال مع الرجال لنقلك... إن ترويج الدين واجب عليك وهذا العمل ميسر في المدينة أكثر من القرية" .
ويساهم التبليغ في الحفاظ على ذكر الله تعالى وتوضيح الفضائل ويتناول الأبحاث المتعلقة بأهل البيت (عليهم السلام).
وقد سأل الإمام الصادق (عليه السلام) الفضيل إذا ما كانوا يجلسون ويتحدثون، فلما أجابه بالايجاب قال (عليه السلام): "إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل. رحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل من ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه" .
الآداب والشروط العرفانية للتبليغ والموعظة:
1- الاخلاص:
إن الداعين إلى التقوى والإيمان والسالكين إلى الله تعالى، جميع هؤلاء مكلفون بتهذيب أنفسهم وهداية الآخرين وفتح أبواب العلوم الإلهية أمامهم.
الإسلام يدعو الجميع إلى القرب من الله والحضور الفعال في المجتمع الإيماني وهذا يعني أنه يعارض الأعمال السيئة والقبيحة ويرفض الإنزواء والابتعاد.
يقول الإمام الخميني (قدس الله نفسه الزكية): "يُخيّل إلى البعض أن السالك لا علاقة له بالناس ولا علاقة له بما يجري في المدينة، إذا كنت من أصحاب السلوك فهل عَليَّ أن أتنحى جانباً للدعاء والسلوك. الأنبياء عليهم السلام كانوا من أصحاب السلوك إلا أنهم لم يجلسوا في بيوتهم ويقولوا: نحن سالكون، لا علاقة لنا بالأمة ولا علاقة لنا بما يفعله الآخرون. كان موسى بن عمران عليه السلام من أصحاب السلوك ولكنه مع ذلك ذهب إلى فرعون وحصل بينهما ما حصل، وهكذا كان إبراهيم عليه السلام وهكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً".
يقول آية الله حسن زاده الآملي حول أهمية التبليغ: "عندما كان أحد أساتذتي العظام يقول لي: لا تذهب إلى آمل فتهدر وقتك، كان المرحوم إلهي [قمشئي] يقول لي: اذهب ماذا سيحصل إذا لم يهب أمثالك للدفاع عن الدين..." .
ويقول أستاذ الأخلاق الكبير الميرزا جواد آغا ملكي التبريزي: "يجب على المبلغ وقبل أي شيء آخر أن يتحلى بالاخلاص والنية الطاهرة ليبقى بعيداً عن الآفات التي قد تعترضه. ويجب أن يختبر نفسه ليعلم هوية الدافع عنده إلى التبليغ. إذا كان الدافع هو الدين فليعمل على الوعظ، وأما إذا كان الدافع لديه ملوثاً بالأهواء النفسية أو كان غير مخلص في عمله، فليترك الوعظ، وليعمل على تربية نفسه وتحصيل الصدق والاخلاص.
الاخلاص هو التسليم للمحب ونزع القلب عن الأهواء، والاخلاص هو نور كلام العرفاء وجوهر رسالة الواعظين".
الاخلاص هو تطهير العمل من الشوائب كالرياء والعجب.
يقول أحد العرفاء: "الاخلاص هو أن تعمل عملاً ولا ترغب أن يذكر... أو يعظم، وأن لا تطلب ثوابه من أحد إلا الله تعالى" .
وإذا كان الاخلاص صادقاً فإن الله تعالى يتعهد الهداية بحكم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين﴾.
والاخلاص أربعة أقسام: الأول: الاخلاص في القول، الثاني: الاخلاص في العمل، الثالث الاخلاص في العبادة والرابع الاخلاص في الحال.
وإذا كان التبليغ والوعظ لأجل احياء المعارف الدينية فسيترك من دون شك آثاراً ايجابية عديدة.
يتحدث آية الله المرعشي النجفي (رحمه الله) حول العارف الكبير الشيخ عباس الطهراني، يقول: "كنت اذهب برفقة السيد الخميني (رحمه الله) والحاج الشيخ عباس إلى درس أخلاق الميرزا جواد ملكي التبريزي... في أحد الأيام وبعد صلاة الظهر والعصر عرجت من الطريق الملاصق للفيضية حيث كنت أذهب لعمل ما، دخلت الفيضية فوجدت شيخاً قد اعتلى المنبر وحوله طلبة شباب يبكون من شدة تأثرهم بموعظته.
سألت نفسي: من هذا الواعظ؟ اقتربت أكثر فوجدت أن الواعظ هو الشيخ عباس الطهراني. كان يذكر الأمور عينها التي كنا نتحدث بها على منابرنا مع أنها لم تترك ذلك الأثر الذي شاهدته. كان الشيخ عباس يمتلك حالاً يؤدي إلى تغيير الشخص، من الواضح أن موعظته تنم عن مدى اخلاصه" .
* رحيم كاركر