بسم الله الرحمن الرحيم

من جملة السلبيات التي ينبغي أن يتنبه إليها المبلغ في مسيرته التبليغية وخطابه مع الناس ما يلي:
-القساوة
يقول المرحوم ملكي التبريزي: ينبغي على الواعظ أن لا يبعد الناس وينفرهم من خلال القساوة والتحدث إليهم بما لا يطيقون القيام به، وينبغي أن لا يقوم بما يؤدي إلى كراهيتهم للخير والشرع والعبادات والعلوم وأنبياء الله تعالى ¹.

وأما الخطيب صاحب الكلام الجميل واللين فهو الذي يساهم في ايجاد حالة من التصالح بين الخلق والخالق، فعليه أن يتحدث حول الأمور الجميلة والطيبة في الدين وأن يوصل للناس المفاهيم الأخلاقية والعبادية بشكل سهل وبسيط.

يقال إن أبو حامد الغزالي ترك الوعظ مدة من الزمن ومال نحو العزلة والانقطاع، وفي يوم من الأيام هيأ طلابه ومريدوه مجلساً ودعوه للوعظ، جلس الغزالي على المنبر وتوجه إلى الحاضرين قائلاً: إن معاني الآيات والأخبار التي عمل هذا الضعيف مدة ثلاثين سنة على ايصالها إلى سمع الأحرار والأخيار قد اختصرها الفردوسي ببيتين من الشعر ثم تلا البيتين.يتوجه سعدى إلى الإنسان في هذين البيتين ويقول: تزود من عبادة الخالق العادل وفكر في اليوم الذي مضى. خف من الله ولا تؤذي أحداً. فهذا هو طريق الصلاح فقط ².

- الحديث بأسرار آل محمد صلى الله عليه وآله
يقول صاحب "المفاتيح": على الواعظ أن لا يتحدث بأسرار آل محمد صلى الله عليه وآله على المنبر، فقد لا يمتلك عامة الناس ظرفية ادراك معانيها فينكرونها³.

يقول الإمام الصادق عليه السلام "امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلوات كيف محافظتهم عليها وإلى أسرارنا كيف حفظهم لها عند عدونا، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها"⁴.

وحول أسرار آل محمد صلى الله عليه وآله فإن هذه العبارة ذكرت بكثرة في روايات الشيعة، ويظهر من القرائن أن المقصود هو مقامهم ومنزلتهم عند الله تعالى، هذه المقامات التي إذا اطلع عليها الأشخاص العاديون قليلو العلم أدت إلى انحراف عقيدتهم، ومن هنا نشأ انحراف الغلاة. وهكذا أيضاً اخبارهم ببعض الغيبيات حول الخلافة وبعض الطوائف والتي يؤدي افشاؤها إلى خطر كبير على اتباعهم. والأهم من ذلك كله حصر منصب الإمامة والولاية الإلهية الحقة بهم ونفيها عن كل ما عداهم. فالأئمة عليهم السلام كانوا يعيشون متخذين من أنفسهم عنوان الفقهاء وعلماء الدين، لا بل كان بعض المقربين إليهم ينظرون إليهم بهذا النحو ⁵...

- المدح والثناء في غير موقعه
يقول المحدث القمي رحمه الله: على الواعظ أن لا يروج للأباطيل وأن لا يمدح فاسقاً أو فاجراً.
جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "إذا مدح الفاجر اهتز العرش وغضب الرب"⁶.

يقول أبو الحسن علي بن محمد البصري الماوردي:ينبغي على الخطيب أن لا يتجاوز مدحه الحدود وأن لا يبالغ في الذم؛ لأن العظمة في التنزه عن الذم والتملق في أن يزداد المدح الحدود ^7.

قيل أن صاحب أحد المصانع الكبيرة في طهران بنى مسجداً وطلب من الإمام الخميني قده تعيين شخص لإقامة صلاة الجماعة والتبليغ. قبل الإمام بالأمر بداية وعندما استقبل العالم الذي كلفه إقامة الصلاة والتبليغ في المسجد، قال له:إن مسؤوليتك أن لا تنسى الأمرين الآتيين بالإضافة إلى التبليغ والارشاد:

1 ـ أن لا تذكر اسمي في هذا المسجد.
2 ـ أن تتعاطى مع باني المسجد بحيث لا يشعر بأننا نطمع في ثروته وماله⁸.


- الكلام القبيح
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "قال بعض الحكماء: احفظ لسانك عن خبيث الكلام"⁹.
ويقول أبو الحسن علي بن محمد البصري: من جملة آداب الكلام أن لا ترفع صوتك أثناء الخطابة بشكل قبيح... وعليك الامتناع عن الكلام القبيح والكلام الذي لا فائدة فيه، بل يمكنك التعبير بالكناية عن الأمور التي لا يصح الحديث بها صراحة لتصل إلى الهدف وتحافظ على طهارة لسانك ¹⁰.

يقول العارف الرباني ملكي التبريزي: ينبغي على الواعظ أن لا يتحدث بكلام قبيح أو أن يقوم بأعمال غير مقبولة... فقد نقل عن البعض أنهم كانوا يرتقون المنبر ويوجهون شتائم قبيحة إلى العصاة، وكل ذلك من جملة الآفات والأخطاء ¹¹.

ينقل المرحوم راشد ويقول:اعتلى أحد الوعاظ المعروفين في مشهد المنبر أيام عاشوراء وتحدث بمطالب تهجم فيها على أحد الأشخاص... وفي أحد الليالي ذهبت أنا ووالدي الآخوند الملا عباس تربتي وذاك الواعظ إلى منزل أحد المتدينين حيث دعانا من قبل، فلم يكن في المنزل سوى نحن الثلاثة وصاحب المنزل. توجه والدي إلى ذاك الواعظ ـ طبعاً بأسلوب لطيف ومؤدب ـ وسأله عن سبب الكلام الذي تفوه به حول أشخاص سيئين من على منبر معروف ومشهور؟

قال: للنهي عن المنكر.
قال له والدي: هل هناك مكان في الدنيا يعتبرون فيه جواز الحديث عن هؤلاء الأشخاص من على المنبر وماذا لو كانت الأمور التي تتحدث بها غير صحيحة. المنبر مكان لارشاد الناس وتربيتهم... ولو سمع الشخص العاصي أنك تتهجم عليه من على المنبر، وعلم أنك أرقت ماء وجهه فلن يفكر في العودة والصلاح بل سيكون أكثر اصراراً على العمل القبيح، فهل هذا الأمر يصدق عليه النهي عن المنكر. بالإضافة إلى ذلك يجب أن لا تقبل إلا الأمور التي رأيتها بنفسك أو التي يشهد عليها عادلان، وإذا حصل ذلك فعليك الحديث مع الشخص العاصي على انفراد ومن ثم تنصحه فإذا لم يقبل وأصرّ على عصيانه، عند ذلك عليك أن تقدر الأمور وترى ما هو المناسب للوقوم أمام المنكر.

ثم قال له عليك أن تلتفت إلى أن بعض الأهواء والخيالات البشرية التي تسول لهم فرضية زيادة المستمعين إليه، قد يعمد إلى تشجيع شخص للحديث ببعض الأمور حيث تكون الأمور ملتبسة من الأساس على الشخص فيظن أنه ينهى عن المنكر وهو لا يعلم أن عمله قد يكون من المنكرات ¹².

- الفتنة
يقول أستاذ الأخلاق ملكي التبريزي رحمه الله: ينبغي على الواعظ أن لا يساهم في ايجاد الفتنة وأن لا يبعث عن القتل والنهب والأسر وجميع الأضرار التي قد تلحق بالمسلمين¹³.

يقول المرحوم المحدث القمي: يجب أن لا يؤدي كلام الواعظ إلى الفتنة والفساد في الأرض ¹⁴.
من جملة الآفات التي تدور حول الكلام، ايجاد الاختلاف والعداوة بين الناس وأهل مدينةٍ أو منطقةٍ.

يجب أن يبذل الواعظ جهده لإزالة العداوات والخصومات، ومنع الفتنة وكل ما يلحق الضرر بالمسلمين. حتى أنه لا ينبغي عليه أن يتصرف بشكل قبيح مع عدوه فكيف بأصدقائه.

رحيم كاركر

^{1- المراقبات، ص286.
2- فصايح الأبرار، ص140 حكايات مختارة، ص352.
3- مجلة الحوزة، العدد 47، ص87.
4- بحار الأنوار، ج68، ص149.
5- المعارف والمعاريف، السيد مصطفى الحسيني الدشتي، ج2، ص173.
6- بحار الأنوار، ج74، ص50.
7-أدب الدنيا والدين، ص507.
8- رجال العلم في ساحة العمل، ج1، ص183.
9-ترجمة مصباح الشريعة، ص136.
10- أدب الدنيا والدين، ص504.
11- المراقبات، ص286.
12-الفضائل المنسية، ص126 و127.
13- المصدر نفسه، ص285.
14- مجلة الحوزة، العدد 47.}