بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن المتخصص في جسم الإنسان وعلاجه يسمى طبيب الأجسام، أما من نذر نفسه ليوصل عباد الله إلى طريق الله ويعلمهم أحكامه، ويربيهم بتوجيهات أنبيائه ورسله، فهذا يسمى طبيب النفوس والأرواح، وهو محط كلامنا في هذه المقالة، حيث نقدم جملة من التوجيهات إلى المبلغين الأعزاء ليتنبهوا من خلالها كيف يكون المبلغ طبيبا شفيقا في المجتمع الذي يعيش فيه.
فينبغي إذن أن يكون سلوك المبلغين مناسباً، أخلاقياً، وإلهياً، أي:
1 ـ أن تشمل شفقتهم ورحمتهم الجميع. وعلى هذا الأساس ينبغي أن ينظروا إلى الأشخاص المذنبين والعاصين والفاسدين، نظرة ملؤها الرحمة وإرادة الخير.
"قال إبراهيم الأطروش: كان معروف الكرخي قاعداً يوماً على الدجلة ببغداد فمر بنا صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون، فقال له أصحابه أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على هذا الماء فادع عليهم، فرفع يديه إلى السماء وقال إلهي وسيدي كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة فقال له أصحابه إنما سألناك أن تدعو عليهم ولم نقل لك أدع لهم فقال: إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا..."1.
2 ـ أن يقدموا سلوكاً صلباً يرافقه الاطمئنان والمنطق وإرادة الخير.
3 ـ أن يتحدثوا بشكل مفيد ومختصر وأن يأخذوا بعين الاعتبار مصلحة الناس بما فيه رضى الله تعالى.
يقول صاحب المراقبات: "ينبغي أن يكون الواعظ كالأب العارف الذي يهدف من وراء تربية أبنائه إلى اصلاحهم آخذاً بعين الاعتبار مصالحهم ومنافعهم"2.
4 ـ أن يلتفتوا إلى احترام شخصية المخاطب في الوعظ والارشاد والأمر بالمعروف، يقول صاحب رسالة "ميزان المعرفة": "إذا كنت واعظاً أو قارئ عزاء، فتحدث من على المنبر بما تعتقد به ولا توجه طعناً لأحد حتى لا تصبح مبغوضاً... ولا تتعرض لطائفة بالذم فيخرج وعظك عن القبول"3.
5 ـ إذا لم ترض بكلامهم فلا تطردهم ولا تكن سبباً لأذية أي إنسان، وقد أوصى صاحب تذكرة المتقين المبلغين بأن لا يكونوا من جملة الأشخاص الذين يخشى الناس أذاهم 4.
6 ـ لا تفرّط في إيجاد الخوف والرجاء، ولا تدفع العاصين ليكونوا أكثر جرأة في ارتكاب المعاصي، ولا تمارس ما يؤدي إلى فرار الناس من الدين.
يقول المرحوم ملكي التبريزي: "ينبغي أن لا يكون الواعظ مفرطاً في ايجاد الخوف أو الأمل بحيث يدفع المخاطبين أما إلى اليأس أو الغرور أو أن يتحدث بشيء يدفع المخاطب إلى الغلو والافراط"5.
يقول المولى محمد مهدي النراقي رحمه الله: "لا شك أن بعض الوعاظ ضالين ومضلين، لأنهم يتحدثون بأمور ترضي عوام الناس فيحققون بذلك أغراضهم الفاسدة. لذلك يتحدثون بكل ما يؤدي إلى الأمل [في غير محله] وهم بذلك يشجعون بعض الناس على المعاصي بالأخص إذا كان الواعظ ميالاً إلى الدنيا يُسَرُّ بالحصول على المال... فعلى هذا الشخص أن يصلح نفسه قبل اصلاح الآخرين..."6.
7 ـ أن يُسَرّ بما يقوم به المبلغون الآخرون على مستوى هداية الناس فلا ينبغي أن يكون المبلغ حسوداً.
8 ـ أن يقبل نصائح الآخرين ببشاشة ورضى ومن ثم يعمد إلى إصلاح أخلاقه وسلوكه.
9 ـ أن يعتبر المخاطبين أشخاصاً أصحاب وعي ومعرفة وشخصية وكرامة ومن ثم عليه أن يعمد للتبليغ من هذا الطريق.
10 ـ أن يكون المبلغ متواضعاً بشوشاً وعليه أن يبتعد عن التصنع، يقول المرحوم بهاري الهمداني: "من جملة خصوصيات العالم [والمبلغ] أن يكون متواضعاً لله تعالى..."7.
11 ـ ينبغي أن يتحلى المبلغ بصبر وتواضع بالأخص عند مواجهة المتحاملين، يقول صاحب تذكرة المتقين: للمبلغ والواعظ صفة وهي أنه صاحب تحمل والصبر عند الأذية فيقبلها ويقول: "اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون"8.
12 ـ المبلغون لا يلجأون إلى التعقيد عند توضيح الأحكام والأوامر الإلهية، بل يوضحونها بشكل جميل ـ قريب إلى القلب. يقول المرحوم ملكي التبريزي: "ينبغي أن لا يكون المبلغ متصنعاً يتحدث بأمور لا يطيق الناس القيام بها، مما يؤدي إلى نفرتهم وابتعادهم عن الخير والشرع والعبادات والعلوم والأنبياء والله تعالى"9.
13 ـ بما أن المبلغ محب للجميع فهو يبتعد عن ايجاد التفرقة والاختلاف والمبلغ يساهم في رفع الجهل عن الناس ولا يساهم في ازدياده، ولا يسعى إلى الفتنة وإيجاد القتل والنهب والأضرار التي قد تلحق بالمسلمين10.
من هنا ينبغي أن يكون المبلغون كالأطباء المشفقين الذين يريدون الخير للجميع والذين يعمدون إلى معالجة أمراض الناس الروحية ويصفون لهم العلاجات الناجعة التي تزيل عنهم تلك الآلام.
والمبلغون أطباء يعمدون إلى معالجة المرضى المبتلين بالذنوب والمعاصي، فكل شخص ولكل طائفة ولكل شغل ولكل عمر... دواؤه الخاص به.
وتجدر الاشارة إلى أن الله تعالى هو الأكثر رحمة ورأفة للناس وهو الذي يريد الخير كل الخير للناس، ومن ثم كان الرسول صلى الله عليه واله بعد الله تعالى محباً رؤوفاً، لم يهدأ له بال في سبيل هداية الناس وارشادهم.
ثم نهض بالأمر الأئمة عليهم السلام بعد الرسول صلى الله عليه واله ، ومن ثم العرفاء والعلماء الإلهيين، جاء في تفسير الأمثل: ... ومن هنا فإن خطاب الآية الأولى موجه للناس، فهي تقول: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُم﴾، خاصة وأنه قد وردت لفظة من أنفسكم بدل منكم، وهي تشير إلى شدة ارتباط النبي صلى الله عليه واله بالناس، حتى كأن قطعة من روح الناس والمجتمع قد ظهرت بشكل النبي صلى الله عليه واله. ولهذا السبب فإنه يعلم كل آلامهم، ومطلع على مشاكلهم وشريكهم في معاناتهم وهمومهم، وبالتالي لا يمكن أن يتصور صدور كلام منه إلا في مصلحتهم..11.
رحيم كاركر - بتصرّف
1- المحجة البيضاء، ج7، ص267.
2- المراقبات (أعمال السنّة)، ص287.
3-ملحق "عرفان الحق"، ص262.
4- تذكرة المتقين، ص130.
5- علم الأخلاق الإسلامي، ص357.
6-نفس المصدر.
7-تذكرة المتقين، ص131.
8-المصدر نفسه، ص130.
9-المراقبات، ص285.
10- المصدر نفسه.
11- تفسير الأمثل، ج8، ص206.