بسم الله الرحمن الرحيم
إمامة الجماعة من جملة الوظائف التي ينبغي أن يمارسها المبلغون، وليس من المناسب أن
يبتعد المبلغ عن هذه الوظيفة الهامة. وأما من حيث المبدأ تتجلى القيمة الواقعية
والنتائج الحقيقية للتبليغ من خلال إقامة "صلاة الجماعة" ورعاية آدابها
ووظائفها الأخلاقية.
لذلك ينبغي على المبلغ أن يعمد بعد تزكية النفس وتهذيبها إلى إمامة الناس في
المساجد.
يعتبر العارف الكبير ملكي التبريزي رحمه الله أن إمامة الجماعة والوعظ من الأعمال
الهامة لأهل العلم. وأكد امكانية الحديث حول هذين الأمرين بشكل مختصر والقول بأن
العالم إذا كان قوياً ومجاهداً ومن الذين عملوا لمدة على تهذيب أنفسهم والوقوف على
منافذ الشيطان، فلا ينبغي عليه ترك إمامة الجماعة والوعظ، لأن الشرع قد اهتم بهذين
الأمرين 1....
ولإمامة الجماعة في الصلاة قيمة خاصة لا تصل إليها الأمور والمناصب الأخرى, وهي
منصب الرسول صلى الله عليه واله والأئمة المعصومين عليهم السلام والعارفين بالله.
يتحدث كمال الدين حسين كاشفي البيهقي حول المنزلة المتعالية لأئمة الجماعات: "الأئمة
أئمة الصلاة شركاء المأمومين في الثواب، وقد اتفق جمهور العلماء على أن ثواب الأئمة
أكبر من ذلك، قال النبي صلى الله عليه واله: "من أمَّ إيماناً واحتساباً غفر
له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". ونقل عن ابن عباس أن رجلاً أتى إليه وطلب منه أن
يعلمه شيئاً يقربه من رحمة الله تعالى، قال: كن إمام جماعة فقد سمعت رسول الله صلى
الله عليه واله يقول: "من أم قوماً صابراً محتسباً كان قائدهم ودليلهم إلى الجنة"2.
لذلك ينبغي أن لا يغفل عن هذا الأمر الهام.
إمامة الجماعة والواجبات:
بناءً على ما تقدم حول منزلة إمامة الجماعة ودورها في ارشاد وهداية الناس، فإن من
وظائف الأئمة رعاية حرمتها والحفاظ على قداستها. لذلك ينبغي عليهم الالتفات إلى
سلوكياتهم وأقوالهم وأن يزينوا أخلاقهم بالفضائل الأخلاقية والسجايا الإنسانية.
وبالعودة إلى رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام نراه قد أولى هذا الأمر
أهمية خاصة فتوجه بشكل مباشر إلى المأموين إلا أن نصائحه تتوجه إلى أئمة الصلاة
بشكل غير مباشر، يقول الإمام:"وأما حق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه قد تقلد
السفارة فيما بينك وبين الله والوفادة إلى ربك وتكلم عنك ولم نتكلم عنه ودعا لك ولم
تدع له وطلب فيك ولم تطب فيه وكفاك هم المقام بين يدي الله والمسألة له فيك ولم
تكفه ذلك فإن كان في شيء من ذلك تقصير كان به دونك وإن كان آثماً لم تكن شريكه فيه
ولم يكن له عليك فضل فوقي نفسك بنفسه ووقي صلاتك بصلاته فتشكر له على ذلك"3.
أشارت الرواية المتقدمة إلى مجموعة من الأهداف التي ينبغي
على إمام الجماعة مراعاتها وهي:
1 ـ السفارة بين المصلين والله تعالى.
2 ـ الوفادة من قبل الناس لمناجات الله.
3 ـ الحفاظ على دين وصلاة المأمومين.
4 ـ الدعاء للمصلين و...
إن الذي ينبغي عليه القيام بالوظائف المتقدمة يجب عليه أن يكون على معرفة تامة بها
وأن يتصف بصفات إمام الجمعة المثالي وبالتالي عليه الابتعاد عن الأمور غير
الأخلاقية.
يعتقد الإمام الخميني قده أن من جملة الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها أئمة الجمعة
والجماعة، تهذيب النفس وتزكية الباطن. يقول: "عندما يعمد السادة إلى تهذيب
أنفسهم، بالأخص أئمة الجمعة الذين يتعاطون مع الناس؛... ينبغي عليهم أن يصلوا إلى
مقام التهذيب المتعالي وأن يدعوا الناس إلى هذا الأمر"4.
وأما فلسفة صلاة الجماعة وعلتها الأساسية، تزكية النفس وتهذيبها وصناعة الذات
الجماعية واكتساب الفضائل الأخلاقية والطهارة المعنوية. يقول صاحب "أسرار الصلاة"
في هذا الخصوص: "إن صلاة الجماعة مؤثرة في تكميل النفوس وقوتها في السير إلى الله
وجلب الفيوضات الإلهية؛ فلو شملت رحمة الله تعالى أحدهم ـ بالأخص إذا كان اجتماعهم
لله وفي سبيل الله ـ فستعم الجميع حتى لو كان الآخرون غير مستحقين لتلك الرحمة.
"إن مَثَل اجتماع القلوب كاتصال الماء الجاري القليل ببعضه، الذي يخرج عن صورة
الماء القليل عند الاتصال ولا يتنجس عند ملاقاة النجاسة وفي هذا المعنى سرّ شريف
ووجه لطيف في علم المعرفة"5.
رحيم كاركر
1- المراقبات، ص281.
2- الرسالة العلية، ص55.
3- تحف العقول عن آل الرسول، حسن بن علي بن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي،
الطبعة الثانية، ص265 ـ 266.
4- الإمام في متراس الصلاة، ص150.
5-أسرار الصلاة، الملكي التبريزي، ص492.