بسم الله الرحمن الرحيم
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروطاً وآداب متعددة
أشير إليها في الكتب الأخلاقية والعقائدية واعتبر الالتزام بها واجباً على
جميع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وقد أشار إمام العرفاء الصادق عليه السلام إلى هذا الأمر الهام في إحدى
الروايات وذكر الوظائف الأخلاقية للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:
"صاحب الأمر بالمعروف يحتاج أن يكون عالماً بالحلال والحرام، فارغاً من
خاصة نفسه مما يأمرهم به وينهاهم عنه، ناصحاً للخلق، رحيماً لهم، رفيقاً
بهم داعياً لهم باللطف وحسن البيان، عارفاً بتفاوت أخلاقهم، لينزل كلا
منزلته بصيراً بمكر النفس ومكائد الشيطان، صابراً على ما يلحقه، لا يكافيهم
بها ولا يشكو منهم ولا يستعمل الحمية ولا يغتلظ لنفسه، مجرداً نيته لله،
مستعيناً به ومبتغياً لوجهه، فإن خالفوه وجفوه صبر، وإن وافقوه وقبلوا منه
شكر، مفوضاً أمره إلى الله، ناظراً إلى عيبه"1.
وفيما يلي نشير إلى شرطين رئيسيين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما
شرطان خاصان بمبلغي الدين حيث من الضروري أن يلتزموا بهما:
الأول: العدالة
العدالة والابتعاد عن المعصية من الصفات الأساسية التي ينبغي أن يتحلى بها المبلغون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وإذا كان هذا الشرط غير واجب لعموم الناس إلا أن وجوبه واضح للمبلغين وعلماء الدين.
يقول المولى مهدي النراقي رحمه الله في هذا الخصوص: "لا
تشترط فيه العدالة وائتمار الأمر بما يأمر به وانتهاء الناهي عما ينهى عنه،
لاطلاق الأدلة، ولأن الواجب على فاعل الحرام المشاهد فعله من غيره أمران:
تركه وانكاره، ولا يسقط تبرك أحدهما وجوب الآخر، كيف ولو شرط ذلك لاقتضى
عدم وجوب ذلك إلا على المعصوم، فينسد باب الحسبة بالكلية... ثم ما ذكرناه
من عدم اشتراط العدالة في العمل بما يأمر به وينهى عنه إنما هو في آماد
الحسبة الصادرة من أفراد الرعية المطلعين على المنكر، وأما من نصب نفسه
لاصلاح الناس ونصحهم، وبيان الأحكام الإلهية نيابة عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام فلا بد فيه من العدالة
والتقوى والعلم بالكتاب والسنة وغير ذلك من شرائط الاجتهاد..."2.
الثاني: اصلاح النفس
إن من جملة الشروط والآداب المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أن يقوم المبلغ وقبل الاشتغال بهذه الفريضة، بتزكية نفسه وتهذيبها. وأما الذين يحاولون هداية الناس من دون اصلاح أنفسهم فلن يجنو من عملهم هذا أي ثمرة. يتحدث العارف الرباني الحاج الشيخ محمد بهاري الهمداني حول مراحل ومراتب الأمر بالمعروق ويقول:
اعلم أنه جاء في الحديث الشريف أن العلماء ورثة
الأنبياء. الواضح أن المقصود من هذا الارث ليس الدراهم والدنانير بل هو ارث
من حيث الرسالة وتبليغ الأحكام وهداية الناس إلى الصراط المستقيم ومن ثم
الحفاظ عليهم قدر المستطاع على هذا الصراط. لذلك ينبغي على الشخص مراعاة
أمور لتتحقق له هذه الوراثة... من جملة الأمور التي ينبغي عليه القيام بها
أن لا يجلس في منزله إذا وجد الناس قد اعتادوا على القيام بالأعمال القبيحة
مع عمله بقدرته على التغيير، لذلك يمكنه العمل على النحو التالي: بداية
يجب عليه أن يبدأ باصلاح نفسه وأن يواظب على الطاعات وترك المحرمات. ثم
ينتقل بعد ذلك ليعمل على مستوى أهل القرية والمدينة ومن ثم يتوسع إلى أطراف
المدينة والقرى المجاورة ليصل في النهاية إلى أبعد نقطة في العالم..."3.
يقول الراغب الأصفهاني: "إن من أكبر القبائح أن يأمر الشخص الآخرين
بأوامر لا يقبلها ولا يطبقها هو. أما المعروف بين الناس بالسوء فلا يمكنه
دعوة الناس إلى الحكمة بينما لم يبادر إلى اصلاح نفسه. وأن ينصح غيره ويخون
نفسه. إذاً المرحلة الأولى في النصيحة أن تكون موجهة إلى نفس الإنسان لأن
الخائن لنفسه لا يمكنه نصح الآخرين"4.
في الواقع فإن أفضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ما كان مترافقاً مع
العمل. يقول العالم الرباني السيد جعفر الكشفي رحمه الله: جاء في الحديث أن
"العالم من يؤدب الناس بفعله قبل قوله"5.
جاء في القصص الجميلة التي ذكرت حول العالم الرباني المرحوم الملا عباس
تربتي، نقل القصة أحد مرافقي ابن الآخوند الملا كاظم الخراساني، يقول:
في أحد أيام الشتاء رافقنا السيد إلى نيشابور لمتابعة بعض القضايا التي لها
علاقة بأملاكه، اضطررنا أثناء العودة للتوقف في إحدى المقاهي لنبيت ليلتنا
بسبب الثلج الذي هطل والذي عطل حركة المرور. دخلنا المقهى الذي كان فيه
الكثيرون ممن أجبرتهم الثلوج على التوقف هناك. في هذه الأثناء توقفت سيارة
حديثة قادمة من مشهد وكان فيها شباب وبنات. معلوم أنهم كانوا من أصحاب
المفاسد واللهو. بعد دخل هؤلاء شرعوا بتحريك الأجواء داخل المقهى فانتشر
الشراب والرقص والغناء. بعد فترة دخل المرحوم الآخوند مع أربعة أشخاص كانوا
يركبون الحمير وقد التجأوا إلى المقهى للسبب نفسه. تأثرت من الوضع وحدثت
نفسي بأن الوضع الموجود لا يروق للآخوند فخفت أن يتعرض لهم أو أن يتعرضوا
له فيهينونه. لذلك جهزت نفسي للدفاع عنه إن تعرض للإهانة. ولكن المرحوم
الآخوند لم يتلفظ بكلمة بل تحرك نحو صاحب المقهى ليسأل عن مكان خالٍ
للصلاة. وقف المرحوم الآخوند في إحدى الزوايا للصلاة فالتحق به رفقاؤه
الأربعة ثم لحق به بعض الحاضرين المتدينين ثم صاحب المقهى ثم التحقت به...
وهكذا انتهينا من الصلاة وكانت المفاجأة أن الشباب والبنات قد غادروا، لم
نعلم السبب في ذلك إلا أن الجو الذي أوجدوه سابقاً قد انتهى كليا6ً.
* رحيم كاركر
1- جامع السعادات، ج2، ص326.
2- المصدر نفسه، ص324 ـ 325.
3- تذكرة المتقين، ص129.
4- بركرانه سعادت (على شاطئ السعادة)، ص167 و261.
5- ميزان الملوك والطوائف، ص175.
6- الفضائل المنسية، ص128 ـ 129.