بسم الله الرحمن الرحيم
قاعدة التحريك والتشجيع:
تتألف هذه القاعدة من ثلاثة أجزاء وأساس نوضحها بداية بشكل مختصر وبعد ذلك نفصل الحديث فيها.
الأول: بداية الخطاب بتجربة ذات مغزى، يمكن أن يحتل هذا القسم الجزء الأكبر من الخطاب وينبغي أن يحمل الخطاب التجريبي في هذه المرحلة، الأصول العشرة المشتركة1.
الثاني: بعد مرحلة التجربة ينبغي تقديم رؤيتنا وقضيتنا بشكل واضح قابل للفهم.
الثالث: توضيح أسباب عرض رؤيتنا، وتبيين ما ينفع وما يضرّ المخاطب وشرح المخاطر التي تترتب على عدم العمل بما ينبغي فعله.
وعلى هذا الأساس فالخطوة الأولى أي التجربة، هي أهم الأقسام بينما تحتاج الخطوتين التاليتين إلى وقت أقل.اسمحوا لنا أن نبدأ هذا القسم بتجربة لأحد المبلغين: "ما جربته بنفسي وعملت به هو أن: الناس لا يعجبون بالكلام العام والكلي، وكلما كان الخطاب جزئياً ذو ارتباط بحياتهم، يكون مقبولاً لديهم. لقد شاهدت بعض المنابر التي كانت مملؤة بالآيات والروايات إلا أن الكلام فيها كان كلياً، لذلك لم تكن مؤثرة. أما ما يمكن أن يكون عذباً، فهو سرد حكاية أو قصة حيث تكون هذه الأمور عادة جذابة، مع العلم أن الرواية العلمية البحتة فهي متعبة"2.
أشار المبلغ إلى أن الابتعاد عن الكسل والخمول عند المستمع يمكن أن يكون من خلال الشروع بتجربة أو قصة شخصية أو جزئية. قد تسألون: ما هو سبب هذا الأمر؟ لماذا يجب الشروع بتجربة أو قصة بدل المقدمة العلمية أو الرواية الجميلة؟ ويتلخص الجواب في عدد من النقاط.
1 ـ التجربة هي أعظم أستاذ في الحياة وهي تلقي علينا أموراً قد لا ننساها طوال الحياة. مما لا شك فيه أن المهتمين والسابقين في التبليغ الديني يرغبون وبشكل جدي، الانتصار في هذه الحرب التبليغية، يرغبون أن تؤتي جهودهم ثمارها وأن تكون أفعالهم موفقة. فإذا رغبتم في ذلك، فعليكم أن تجعلوه ضمن برامجكم وستحصلون عليه في التجربة.يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "الظفر بالحزم والحزم بالتجارب"3.
التجارب هي معلم كبير يأخذ بيد العواطف ويحرك اللسان المشتاق. لذلك عندما ننقل تجربة إلى الآخرين فنحن ننقلها مترافقة مع عواطف خاصة تؤدي إلى ارتباط قريب بيننا وبين مخاطبنا. الشرط الأساس هنا هو عرض التجربة بشكل جميل وبأسلوب فني حيث يمكن هنا الاستعانة بأسلوب المراسلين الصحفيين4. وقد يسأل البعض أننا لا نمتلك تجارب شخصية في كافة الأمور، فكيف يمكننا الشروع بارتباط يحمل معه الترغيب؟ والجواب واضح. ليس من الضرورة أن يكون للمبلغ تجربة شخصية في كافة الأمور، بل يمكنه الاستعانة بالأحداث التي تقع حوله حيث يمكنه الاطلاع عليها. إلا أنه لا يجب الغفلة عن مسألة أساسية وهي أن عليكم سرد التجارب التي تركت عليكم آثاراً خاصة أو التي تفاعلتم معها، فلو أردتم على سبيل المثال الحديث عن مخاطر الادمان فعليكم الاستعانة بالاحصاءات والأحداث التي تأثرتم بها. في هذه الحالة يشعر المخاطب بما كنتم تشعرون به.
2 ـ السبب الثاني الذي يدعو للشروع بالتجربة أن هذا الأسلوب يؤدي إلى الابتعاد عن الملل والقوالب المزعجة. والمخاطب يهرب في العادة من العبارات المقولبة والجامدة ويعشق القوالب الحديثة. يقول الإمام أمير المؤمنين في هذا الخصوص: "إن هذه القلوب تَمَلُّ كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكم"5.
لذلك ينبغي في بداية الارتباط مع المخاطب الاستعانة بعبارات جذابة لديه. فإذا أردنا على سبيل المثال تكريس الاحساس بالاحترام للكبار في السن وتعليم الوضوء للأطفال، يمكن اللجوء إلى قصة الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام مع الشيخ الكبير الجاهل بالوضوء 6، ويمكن التأثير على الكبار من خلال الاستعانة بالعبارات العاطفية. وتشكل الآيات الآتية إحدى النماذج التي تشجع المستمع وتجذبه وذلك في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾ُ 7. لقد بلغت هذه الآية من الجمال والسحر بحيث جعلت المذنب والعاصي يتحرك داخلياً نحو التوبة والعمل بالأمور الحسنة. إن عبارة ﴿يا عبادي﴾ تحمل ثقلاً عاطفياً كبيراً يدل القلوب.
وفي هذا الاطار أيضاً يمكن الرجوع إلى كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العميق والجميل حيث يشجع العاصين على التوبة: "ما أهمني ذنب أُمهلت بعده حتى أصلي ركعتين وأسأل الله العافية"8. قدّم الإمام علي عليه السلام طريقاً للتوبة في قالب من التجربة، وعمل على عواطف ومشاعر المخاطب وأرشده إلى طريق العودة. لذلك يجب الاقتناع أن ايجاد الارتباط في قالب التجربة، حساس وفعال.
تجدر الإشارة إلى أسلوب الترغيب القائم على أساس التجربة، لم يغب عن القرآن الكريم. ذكرت العديد من الآيات الإلهية، مجموعة من الشواهد التاريخية والتجريبية البشرية، وذلك في سبيل ترغيب المخاطبين بالأمور الحسنة وابعادهم عن القبائح، ولعل النموذج الأبرز ما جاء في سورة إبراهيم: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد﴾ 9 وقد مزج بحث الخروج من الظلمة إلى النور بتجربة تاريخية، ليستقر المطلوب في روح المخاطب فيكون ذلك أكثر أهمية على مستوى التأثير عليه.
مجلة مبلغان
1-جاء ذكر الأصول العشرة في مجلة "مبلغان" العدد 18، ص28. وهي عبارة عن: 1 ـ المواضيع التي يحتاج إليها المخاطب ويشتاقها.
2 ـ قدرة المخاطبين.
3 ـ الصدق والتصميم.
4 ـ التصوير من خلال الكلمات.
5 ـ البساطة والسهولة.
6 ـ الأسلوب الصحفي.
7 ـ الحدود في الموضوع.
8 ـ التقييم والاختيار.
9 ـ معرفة الثقافة واللغة والرؤية.
10 ـ رسالة الاحترام.
11- تجارب المبلغين الماهرين، ص113 و114.
12- غرر الحكم، ص42.
13- الذي، أين، مَن، ماذا، لماذا، كيف.
14-نهج البلاغة، فيض الإسلام، الحكمة 89.
15- قصص الأبرار، ج2، ص103.
16- الزمر: 53.
17- نهج البلاغة، فيض الإسلام، الحكمة 291.
18-ترجمة آية الله مكارم الشيرازي، 255.