بسم الله الرحمن الرحيم
يذكر الشهيد المظلوم آية الله الدكتور بهشتي الحادثة الآتية التي وقعت معه:قبل أسبوعين جاء أحد الشباب إلى منزلي، سلم عليَّ ودخل.
عَرَّف عن نفسه ثم قال أقوم بتبليغ الإسلام في أمريكا.
ـ قلت له: تفضل أيها السيد وحدثنا عن الدروس التي قرأتها.
ـ قال: درست سنتين بعد الثانوية وطالعت القليل من اللغة العربية... وتعرفت على بعض الأمور التي يحتاج إليها المبلغ.
ثم ماذا، ماذا قرأت، وماذا تقول في التربية والتهذيب والتزكية؟
ـ مازحني وقال: إذا لم يكن الإسلام مفيداً للجميع إلا أنه مفيد لنا.
ثم أخرج من جيبه ورقة كتب عليها باللغة الانجليزية ما معناه: "بما أن جناب ثقة الإسلام ابن المرحوم فلان يود الذهاب إلى أمريكا لأجل التبليغ، لذلك أوصي المؤمنين الاستفادة منه".
طبعاً لم ينس أن يعطي هذه الورقة لمركز ترجمة رسمي ليصدر بها ترجمة معترف بها. كنت أتأسف لحاله مع أنه جاء إلى منزلي طلباً للارشاد.
قلت له: أوصيك بمسألتين:
أولاً: لا يحق لك أن تتحدث بشيء عن الإسلام، بل يمكنك أن تقوم بوظيفة الترجمة من الفارسية إلى الانجليزية.
ثانياً: حاول أن لا تصبح محط أنظار الصحف اليهودية المعادية للإسلام.
قال: أنا كنت في قم، وكان الطلاب يتجمعون حولي وهم على علاقة بدرسي.
قلت له: ادعوا الله الهداية لهم.
ليس هذا هو الطريق لتبليغ الإسلام، الطريق للتبليغ أن يقوم هذا الشخص ويعيش الحياة الإسلامية بشكل عملي أو أن يتحدث عن معرفة وادراك. من غير المناسب أن يقوم الشخص بايجاد دكان يعمل فيه لحسابه الخاص تحت شعار الإسلام. على المبلغ أن يتعاطى بشكل يتناسب مع الأخلاق الإسلامية، هذا هو التبليغ للإسلام.
ونضيف إلى ما ذكر أنه ليس أي إنسان يطالع بعض الكتب ويحضر لفترة بسيطة بعض الدروس يصبح صالحاً لأن يبلغ الإسلام بحيث يصير ممن يرجع إليه في المسائل العقائدية الحساسة والفتاوى الفقهية الدقيقة..
نلاحظ أن أي اختصاص علمي أو اكاديمي لا يصبح صاحبه مرجعاً فيه إلا بعد أن يقضي سنوات عديدة بين درس ومطالعة واختبار وإنجاز أبحاث.. ثم تقديم امتحان نهائي لليسانس، ثم بحث الماجستير، وقد يكمل إلى أطروحة الدكتوراه قبل أن يصبح معتمداً وموثوقاً.. فلماذا إذاً الاستخفاف بعلوم الدين.. وهل الغوص في فهم الأسس التي تقوم عليها الأبحاث الفقهية مثلاً تكفي فيه مطالعة كتاب أو كتابين في علم الأصول؟
من المعروف أن طلاب الحوزات العلمية يقضون سنوات طويلة بين درس وبحث واختبار قبل أن يصلوا إلى ما يطلق عليه في الاصطلاح الحوزوي: مرحلة بحث الخارج.
وعليه.. لا تكفي الدراسة السطحية والعابرة، والمطالعات العشوائية لتجعل صاحبها مؤهلاُ لإعطاء أجوبة ناضجة وموثوقة على مسائل الدين.
وليتق الله عزوجل كل شخص يتصدى لأمور الدين وهو يعرف أنه ليس أهلاً لهذه المهمة العظيمة والخطيرة..