بسم الله الرحمن الرحيم
من أجمل العادات التي ينبغي ترسيخها لما فيها من فوائد جمة عادة الاستيقاظ باكرا والتخطيط لأعمال اليوم ومنجزاته في هذا الوقت.. قد يجد البعض في كلامي مبالغة ما، ولكن أثبتت التجربة أنه ما من امر يبارك حياة الإنسان ويوجب تحوّلاً على الصعيد المادي والمعنوي كالاستيقاظ في وقت مبكر، والشروع بانجاز الأعمال في هكذا وقت.
استوقفتني منذ مدة تجرية شاب أميركي، يوصّف تجربته في هذا المضمار، ويقول إن استيقاظه يومياً عند الساعة 4:30 صباحاً كان له تأثير عظيم في حياته. وهو يعتبر أن الاعمال التي تنجز في هاتين الساعتين – أي ما بين 4:30 و 6:30 صباحاً – لها وقعها ومذاقها الخاص، وهي ذات فعالية وتأثير عجيبين على حياة الإنسان.
والإنسان ينبغي أن يستغل هذا الوقت، كون كل دقيقة من عمر الإنسان تعتبر ثمينة ولا تعوض. ولذلك كان هذا الشاب يمارس الرياضة والكتابة والتأمل والتخطيط، ويحضّر كل ما يحتاجه من قوت له ولعياله استعدادا للانطلاق إلى العمل أو المدرسة. وهو طبعاً ليس مسلماً حتى تحتل نافلة الليل أو صلاة الفجر جزءاً من وقته فيتكامل روحياً أيضاً من خلالهما إضافة إلى الفوائد المادية والدنيوية التي يحصلها..
وكلام هذا الشاب الغربي يجعلنا نتحسر على أوضاع شبابنا المسلم الذي ترك نافلة حث عليها الشارع اسمها نافلة الليل، هذا إذا لم تكن فريضة الفجر أيضاً قد صارت من المنسيات والمهملات في حياة مجتمعنا.
وإذا عدنا إلى تراثنا الديني سنجد آيات وروايات رهيبة تكشف لنا بركة وأهمية وقت السحر وما بين الطلوعين.
- يقول تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. ومن الواضح أن هذه الآية تصف حال المتقين الذين فازوا في الآخرة بجنات وعيون، وأحد موجبات هذا الفوز هو استغفارهم الله عزوجل في وقت مبارك جداً وهو وقت السحر.
- وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿تتجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
- ويقول تعالى أيضاً: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾. وفي سياق كشف بعض خبايا هذه الآيات ورد عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني بأفضل المواقيت في صلاة الفجر؟ فقال: مع طلوع الفجر إن الله عز وجل يقول: "وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار.
- عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال سألته عن النوم بعد الغداة فقال إن الرزق يبسط تلك الساعة فأنا أكره أن ينام الرجل تلك الساعة.
- وقال الصادق عليه السلام: نومة الغداة مشؤومة تطرد الرزق وتصفر اللون وتقبحه وتغيره وهو نوم كل مشوم إن الله تعالى يقسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإياكم وتلك النومة.
- عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال إن إبليس إنما يبث جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ويبث جنود النهار من حين تطلع الفجر إلى مطلع الشمس وذكر أن نبي الله عليه السلام كان يقول أكثروا ذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله عز وجل من شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة.
- وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا.
- وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض وهي الساعة التي يقسم الله فيها الرزق بين عباده.
وهذه الروايات ليست على سبيل الحصر، فهناك روايات أخرى عديدة تبين أبعادا مهمة وأسراراً لوقتي الفجر والسحر، وما على المؤمن إلا أن يسارع ليستغل هذه الغنيمة الإلهية قبل أن يمضي قطار العمر ويفد إلى ربه خال من زاد الأعمال الصالحة.
فرع إعداد المواد في موقع المنبر