بسم الله الرحمن الرحيم
لن يجد المبلغ الوقت الكافي لفعل كل ما يطمح إليه، وإذا انتظر حتى يأتي الوقت
الكافي ليحقق به طموحاته فإن هذه الوقت قد لا يأتي، وهو لن يبدأ بتطبيق وتحقيق
أهدافه التي رسمها لحياته.
إن الحياة تطالبنا جميعاً بما هو أكثر من اللازم، ومن السهل للغاية إرجاء بعض
الأمور والغفلة عنها. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمر يشبه دحرجة صخرة ضخمة من قمة تل،
حيث الجزء الأصعب فيه هو الخطوة الأولى، ولكن ما إن تنطلق بالصخرة حتى يصير الأمر
أسهل فأسهل.
ينبغي أن لا نكون أصحاب طموحات تفوق المقدور عليه والمعقول تحقيقه.. ليس علينا أن
نكرس يوماً كاملاً للتخطيط لأهدافنا.. كل ما نحتاجه هو إلى وقت بسيط نحدد فيه
أولوياتنا بحيث تكون قابلة للتحقق، ومن ثم الترصد لكل دقيقة من حياتنا باستغلالها
لتحقيق هذه الأولويات.
وهنا نلفت إلى أهمية اختيار المكان المناسب والوقت المناسب للتفكير بالأهداف
والأولويات، بحيث يكون الذهن صافياً وغير مشوش. فمثلا: الجلوس على شاطئ خال من
الناس مع طقس لطيف مما يسرع توارد الأفكار داخل الرأس. أو الجلوس في حديقة أو مكان
هادئ واحتساء شراب ساخن ولذيذ. وبكل الاحوال، فإن اختيار المكان المناسب موكول إلى
الشخص وذوقه وظروفه، المهم توخي الوصول إلى النتائج المرجوة.
من جهة أخرى، ينبغي مراعاة المصالح الدنيوية والأخروية حين وضع الأهداف. أما مراعاة
المصالح الدنيوية، فلأنه ليس صحيحاً إغفالها كليّاً في مشروع المؤمن أو المبلغ،
صحيح أن الآخرة هي المقصد النهائي، ولكن الدنيا التي هي مزرعة الآخرة يجب العناية
بها بمقدار الضرورة بحيث يعيش فيها المؤمن بعزة واقتدار وبحيث تعينه أيضاً على
الوصول إلى أهدافه الأخروية.
أما المصالح الأخروية، فهي الغاية النهائية لوجود الإنسان في عالم الدنيا.. وهي
الحيوان كما وصفها القرآن قائلاً:
﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ﴾. أي أنها هي الحياة الحقيقية التي يجب أن يسعى إليها المؤمن ويخطط
ويرتب في سبيلها الأولويات.
من هنا ينبغي أن يقدم المبلغ الأهداف الأخروية على المصالح الدنيوية، ويضعها في أول
سلم الأولويات.. ولا يكون أكبر همه الدنيا وجمع المال والحياة الرغيدة. بل قد يختار
في بعض الأحيان التخلي عن هذه المكتسبات المتحققة له فعلياً في سبيل إحياء هدف
أخروي عظيم ومجيد، كما كان يفعل علماء الأسلام عبر التاريخ، حيث كان العديد منهم
يترك الاستقرار في وطنه والعيش إلى جانب أهله وترك العمل والتجارة والحياة المريحة
ليسافر إلى بقاع بعيدة إما في سبيل طلب العلم، أو في سبيل تبليغ معارف الإسلام،
والكتب تنقل قصص مكابدة العديد منهم للتعب والمشقة والفقر والحرمان، كل ذلك في سبيل
إعلاء كلمة الله عزوجل.. وهو من أسمى الأهداف للمؤمن في هذه الدنيا.
* فرع إعداد المواد في موقع المنبر