بسم الله الرحمن الرحيم
إن رعاية التناسب في التبليغ القولي والكتابي هو من أهم عوامل التأثير في المخاطب.
والتناسب أمر موجود بشكل واضح في جميع ذرات نظام الوجود وإذا ألقينا نظرة سريعة على
وجودنا لوجدنا وجود تناسب واضح بين الأعضاء.
عندما يهتم المبلغ بأصل التناسب ويعمد إلى الاستفادة منه في مجال التبليغ عند ذلك
يكون قد أحسن الاستفادة من الإمكانيات والقوى الموجودة بين يديه وتمكن من الوصول
إلى أهدافه.
ويمكن توضيح هذا الموضوع من خلال المثال الآتي: تحدثنا فيما مضى عن أن المبلغ هو "طبيب"
روحاني عليه أن يجهز الدواء المناسب لمرضاه.
وأما إذا لم يلتفت الطبيب إلى موضوع التناسب، فإنه لن يكون موفقاً في عمله، لا بل
سيؤدي عمله إلى خسائر وأضرار لا يمكن جبرانها لعل من أبرزها عدم ثقة الناس به.
بناءً على ما تقدم ينبغي على المبلغ أن يبذل جهداً ليكون قالب ومضمون خطابه متناسباً
مع المخاطبين من جهات متعددة. وهذه الجهات عبارة عن:
1- الزمان: يمكن دراسة هذا الأمر من ثلاث جهات:
ألف- يجب أن يطلع المبلغ على المرحلة الزمانية التي يعيش فيها ليتمكن من العمل
والتبليغ بما يناسب هذه المرحلة. والتبليغ الموفق هو الذي يُلحظ فيه أوضاع المرحلة
الزمانية.
يقول الإمام علي عليه السلام: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس".
وعلى هذا الأساس ينبغي أن يبادر المبلغ إلى أداء رسالته التبليغية الهامة آخذاً
بعين الاعتبار المرحلة الزمانية. وعليه أن يفكر جيداً بالأمور التي يجب عرضها في
الوقت الحاضر وما هي الكيفية التي يجب أن يعتمدها وهل أن القالب والمضمون مناسب
للظروف الزمانية أو غير ذلك.
أما إذا لم يلتفت المبلغ إلى هذه الأمور فهو كبائع الألبسة الذي لا يعرف مثلاً أي
الألبسة يناسب الصيف وأيها يناسب الشتاء.
ب- الزمان الموضوع تحت تصرف المبلغ. يجب أن يفكر المبلغ في الفرصة الهامة الموجودة
لديه، فيتعمق في كيفية الاستفادة منها لإيصال خطابه للآخرين.
فإن وضع المخاطبون 30 دقيقة من أعمارهم تحت تصرفنا، كان عددهم 1000 شخص فهذا يعني
أن 500 ساعة من الفكر والذهن والقلب واقعة تحت تصرفنا. فماذا يجب علينا أن نفعل
بهذا الوقت؟ لذلك يجب أن نجهز أنفسنا لتقديم قالبٍ ومضمون يتناسب مع هذه الفرصة
الثمينة. لذلك يجب أن يفكر المبلغ في تقديم الأمور الضرورية والمفيدة والمناسبة
للمخاطبين.
ج- وقد يراد من الزمان المناسبة التي نحن بصدد إحيائها. الأيام والشهور في الثقافة
الدينية مليئة بالمناسبات من الأعياد والوفيات المتعلقة بأهل البيت (عليهم السلام)
بالإضافة إلى المناسبات والأعياد الوطنية. ومن هنا على المبلغ أن يستفيد من هذه
المناسبات الدينية والوطنية ليقدم الخطاب الإسلامي والذي يجب أن يتناسب مع تلك
المناسبات. فلو كانت المناسبة اليوم العالمي للطفل على سبيل المثال، فمن المناسب أن
يتحدث المبلغ حول رأي الإسلام حول الطفل.
2- المكان: يمكن دراسة المكان من جهتين:
ألف- المجتمع والمكان الذي نعيش فيه، فمن المناسب أن يلتفت المبلغ أثناء التبليغ
إلى المكان الذي يعيش فيه وظروفه. فإذا لم يعلم المكان فهو لا يعرف الأفراد وهذا
يعني أنه لا يعرف ما يحتاجون إليه وهذا يعني أنه لن يكون موفقاً في التواصل معهم.
إذا راجعنا تجربة المبلغين الأعزاء فسنشاهد الذكريات الحلوة والمرة الكثيرة التي
عاشوها، تصوروا مبلغاً يذهب إلى قرية للتبليغ ولكنه لا يعرف الفرق الدينية الموجودة
هناك ولا يعرف إلى أي مذهب ينتمي أهلها، فهو كالجندي الموجود داخل حقل الألغام
ولكنه لا يعلم ذلك، هذا وإن أصغر حركة غير دقيقة ستؤدي إلى خطر كبير.
ب- المحل الذي يبلغ فيه، فالمبلغ عليه أن يدرك المجتمع الذي يعيش فيه ويمارس
التبليغ بما يتناسب معه، بالإضافة إلى ذلك يجب أن يدرك المحل الذي يبلغ فيه، هل
التبليغ في المسجد، أم المدرسة، أم المستشفى، أم الحديقة، أم في السفر أم... إذ
عليه أن يجعل المحل منطلقاً لتبليغه فتكون الأمثلة والمطالب متناسبة مع ذاك المحل.
فلو كان المبلغ برفقة مجموعة تقصد الزيارة والسياحة، فمن المناسب أن يحدثهم أثناء
الطريق عن السفر الروحي للإنسان وأن يعمد إلى مقارنة ذلك مع السفر الجسمي، وإذا كان
يبلغ في إحدى المستشفيات فيمكنه الحديث حول الأمراض الروحية ويقارنها بالأمراض
الجسمية.
* ف. خسروي