بسم الله الرحمن الرحيم

لعل من أبرز الأسئلة التي تطرح على المبلغ: هل هناك طريقة خاصة أو نقاط محددة يجب اتباعها لتعليم وتدريس رسائل توضيح المسائل. وما هي الزاوية التي يجب النظر منها لتكون الرسائل جذابة للمتعلمين؟

في الجواب على هذا السؤال يجب التأكيد على وجود زوايا متعددة يمكن الإطلالة منها لتعليم الأحكام بالأخص للشباب.

مرة أخرى نعود إلى مسألة تعليم الرسائل العملية ونستعين ببعض الاصطلاحات والمسائل الشرعية كنماذج وأمثلة:

1- استعمال مفاهيم وعبارات معاصرة وعملية: مثال ذلك يمكن الاستعانة بعبارة "مسافة 22,5 كليومتر" مكان "حد المسافة الشرعية"، "1250 غرام من الفضة" مكان "500 درهم في مهر السُنة"¹.

2- تعريف وتوضيح المصطلحات الفقهية والفتوائية: يجب توضيح بعض المصطلحات للمكلف أمثال: "حد الترخص" "التروّي"، "الحدث الأصغر" "الحدث الأكبر" "الجاهل القاصر" و "الجاهر المقصر". بالإضافة إلى ذلك يجب توضيح بعض المصطلحات الفتوائية أمثال: "ليس ببعيد" "لا يخلو من قوة"،"لا يخلو من أشكال"، "الاحتياط الواجب"، "الأرجح"، "الأظهر"، "فيه تأمل"، و "فيه اشكال". ومن المناسب في هذا المجال تدوين قاموس بالمصطلحات الفقهية في نهاية الرسائل العملية.

3- رفع الإبهام عن تعاريف المصطلحات: مثال ذلك إذا عرفنا الطفل المميز وقلنا بأنه "الذي يتمكن من تمييز الحسن من القبيح". وهنا لو سألنا بعض الأشخاص وقالوا: ماذا تقصدون من تمييز الحسن من القبيح، فهل هو الحسن والقبيح الأخلاقي أو الاقتصادي أو الجنسي أو الفكري أو السياسي أو الاجتماعي.. فماذا سنقول له. ونقول في تعيين سن بلوغ البنت والصبي: "إتمام 15 سنة قمرية في الصبي و9 سنوات قمرية في البنات". مع العلم أن الكثيرين لا يلتفتون إلى أن السنة القمرية أقل من الشمسية. فالسنة القمرية أقل من الشمسية بعشرة أيام و18 ساعة. وهذا يعني أن الصبيان يبلغون سن التكليف في سن 14 سنة و6 أشهر و16 يوم ويبلغ البنات عن عمر 8 سنوات و8 أشهر  و22 يوم.

4- توضيح التعريفات اللغوية والاصطلاحية للموضوعات والمفاهيم الفقهية: في الكثير من الحالات كنا نسأل الطلبة عن المعنى اللغوي للوضوء، فكانوا إما لا يقدمون جواباً أو يقدمون إجابات خاطئة. وعلى هذا الأساس ينبغي توضيح المعاني اللغوية والاصطلاحية لبعض المواضيع والمصطلحات الفقهية والرابطة بين المعنيين. فتقول على سبيل المثال: الوضوء في اللغة عبارة عن "النظافة والطهارة"، وكان العرب يطلقون على النظيف والطاهر عبارة "وضى‏ء"². والوضوء في المصطلح الفقهي عبارة عن غسلتين ومسحتين طبق أوامر الشارع المقدس. وفي رواية فإن إحدى علل الوضوء هي النظافة والطهارة، لذلك يطلق عنوان الوضوء.

5- الاستعانة بالعبارات المحترمة: لعل من إحدى وظائفنا استخدام عبارات محترمة عند تعليم الأحكام. فإذا كان هناك أكثر من عبارة للحكم، علينا استخدام أكثرها احتراماً ولياقة. ألا يجب أن نستخدم عبارات أكثر احترام ولياقة في المسائل 1586 ³ و2381 ⁴ في رسالة توضيح المسائل؟

6- كتابة الكلمات وقراءتها مع إعرابها: يجب قراءة وكتابة الكلمات والمصطلحات التي تشير إلى الأحكام الإلهية مع إعرابها الصحيح. مثال ذلك قد يسأل البعض عن معنى بعض الكلمات: "هروله" أو "مبْل" و "دبْر" وهي كلمات تعطي المعنى الصحيح بعد إعرابها بشكل صحيح.

7- تدريس مسائل الرسائل العملية بشكل تدريجي: نزلت القوانين والأحكام الإلهية على رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم طيلة 23 سنة، حيث كان يعمل على إبلاغها للناس. وقد نزلت أربع آيات في خصوص الخمر وبشكل تدريجي حتى انتهت الأخيرة إلى تحريمه بشكل كامل. ومن المناسب في هذا المقام الإشارة إلى بعض الأحاديث الشريفة، يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "يا معاذ! بشِّر ولا تُنَفِّر، يسِّر ولا تُعَسِّر"⁵. ويقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تقل كلَّ ما تعلم"⁶. ويقول الإمام السجاد عليه السلام: "... إياك أن تتكلم بما تسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره..."^7.

8- تنظيم وترتيب أحكام الرسالة: يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "أحسن الكلام ما زانه حُسنُ النظام وفهمه الخاص والعام"⁸. ويؤكد علماء النفس أن المطالب المنظمة والمرتبة أفضل بكثير من غير المنظمة، حيث ترتكز الأولى في الأذهان.

ويشير أحد طلبة الإمام الخميني(قده) إلى أن الإمام كان يقدم درسه بتنظيم وترتيب منقطع النظير حيث كان يترك هذا الأسلوب آثار هامة على مستوى فهم وإدراك الآخرين للمطالب⁹.
 
* مهدي كاظمي- بتصرّف‏

^{1- بشرط أن تكون العبارات المعادلة مطابقة لفتاوى المراجع.
2- يعود الأصل اللغوي للوضوء إلى كلمة "وضأ" أو "وَضُأ".
3- في المسائل المتعلقة بالمبطل الثاني من مبطلات الصوم.
4- في المسائل المتعلقة بالعيوب التي تنقض العقد.
5- جولة في السيرة النبوية، آية الله الشهيد مرتضى مطهري، الطبعة 17، قم، انتشارات صدرا، 1376، ص‏210.
6- نهج البلاغة، ترجمة علي نقي فيض الإسلام، الكلمات القصار 374، ص‏1268.
7- سفينة البحار، الشيخ عباس القمي، مجلدين، بيروت، دار المرتضى، ج‏1، ص‏573.
8- معجم ألفاظ غرر الحكم ودرر الكلم، مصطفى درايتي، الطبعة الأولى، قم، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، 1413، ص‏464.
9- مقتبس من مجلة "حوزة" العدد 32، ص‏89.}