بسم الله الرحمن الرحيم
توجد جملة من الخصائص ينبغي أن يتصف بها المبلغ ليكون مبلغاً كفوءا بحيث يستثمر
معها ما درسه من علوم دينية وشرعية في إطار خدمة المجتمع الإسلامي والبلاد
الإسلامية. ومن أهم هذه الخصائص:
1- تنمية شعور الاهتمام بأمور المسلمين في نفسه:
أعطى الإسلام أهمية واضحة لمسألة صداقة الإنسان للإنسان الآخر وإقامة علاقة مودة
بينهما، لا بل واعتبر أن من وظائف المسلمين مساعدة بعضهم البعض والالتفات إلى
الأوضاع التي يعيشونها. ومن جهة أخرى نفى الإسلام طرد الفقراء المسلمين من قبل
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : ﴿وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ
آمَنُواْ﴾1، فمن الضروري أن يلتفت العلماء الأعزاء لهذه النقطة الهامة بالأخص وأنهم
ينتسبون في حركتهم التبليغية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد التفت الإمام الراحل (قده) إلى هذه النقطة فخاطب علماء الدين قائلاً: "يجب أن
نهتم بأمور المسلمين، والاهتمام بأمور المسلمين ليست مسألة لفظية، بل يجب الاهتمام
بأمورهم السياسية والاجتماعية وسائر مشكلاتهم وإلا لن نكون مسلمين. يجب عليكم (العلماء
والمبلغين) الاهتمام بالنظارة على جميع أمور المسلمين".
ويقول في مكان آخر: "لا تكون الخدمة بأن تدرسوا، بل أنتم مكلفون بمتابعة مشكلات
المسلمين ومواجهة الأعداء في هذا الخصوص"2.
2- التبليغ العملي:
تعطى القيمة الحقيقية في الدين الإسلامي للعمل بالتعاليم وقد شبه القرآن الكريم
العلماء غير العاملين بـ"الحمار".
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾3.
فالتبليغ من دون عمل ليس عبادة، بل العكس من ذلك إذ يؤدي إلى غضب الله تعالى. ونفهم
من الآية الشريفة الأمور الآتية:
ألف- يجب أن يترافق التبليغ مع العمل.
ب- التبليغ من دون عمل يؤدي إلى الابتعاد عن الله تعالى.
يقول الإمام الصادق عليه السلام : "كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع
والاجتهاد والصلوة والخير وأن ذلك داعية"4.
ومن آثار التبليغ غير المرافق للعمل:
أ- كلام المبلغ لا يكون له أثر
يقول الإمام الصادق عليه السلام : "إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن
القلوب كما يزل المطر عن الصفاء"5.
ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : "يا أبا ذر! مثل الذي يدع بغير عمل،
كمثل الذي يرمي بغير وتر"6.
ب- التبليغ غير المرافق للعمل والابتعاد عن الله تعالى
يقول الإمام السجاد عليه السلام : "إن العالم إذا لم يعمل بعلمه لم يزدد صاحبه
إلا كفراً ولم يزدد من الله إلا بعداً"7.
ج- الحسرة في القيامة
يقول الإمام الباقر عليه السلام لأحد أصحابه: "أبلغ شيعتنا أنه لم ينال ما عند
الله إلا بعمل، وأبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة، من وصف عدلاً ثم
يخالفه إلى غيره"8.
وكان الإمام الراحل (قده) قدوة للآخرين في العمل وقد حذر العلماء من القيام بأعمال
تخالف الإسلام وشؤون العلماء، يقول: "... مهمتكم أنتم علماء الدين مهمة خطيرة وهامة
وما أعنيه هنا هو أن مهمتكم تختلف عن مهمة أي شخص آخر بالطبع كل شخص في هذه البلاد
معني بأن يحمي نفسه ويحمي الإسلام ويطبقه، ولكن أنتم علماء الدين، لأنكم استلمتم
زمام السلطة فمهمتكم مضاعفة وثقيلة وبقدر ما يحمله منصبكم من فخر وعزة بقدر ما
يحمله من مسؤولية، ولا سمح الله إذا بدر خطأ من أحدنا، فإن أعداء الإسلام
والمتربصين لن يقولوا أن فلاناً أخطأ بل سيقولون أن هذا الخطأ نابع من الإسلام نفسه..."9.
3- الاهتمام بالتبليغ والاعلام خارج البلد
دين الإسلام غير مختص بشعب أو بلد خاص، بل هو دين عالمي، لذلك نرى أن دعوى الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم قد أرسلت وبسرعة إلى قادة الدول في اليمن والحبشة والروم
وإيران واليمامة، تدعوهم إلى الإسلام. وفي العصر الحاضر نرى الإمام الخميني (قده)
قد كتب إلى زعيم الماركسيين في العالم، وشجع وزارة الخارجية ووزارة الثقافة
والارشاد على التبليغ خارج إيران، يقول الإمام: "إن اعلامنا في الخارج يعاني من نقص
كبير والأشخاص الذين يأتون من الخارج ويلتقون بي يشكون كلهم من محدودية الاعلام في
الخارج... ونحن مكلفون اليوم بأن نعزز الاعلام أكثر فأكثر وعلى الحكومة ووزارة
الارشاد تقوية الاعلام في الخارج..."10.
ويقول الإمام (قده) في وصيته: "على وزارة الخارجية أن تسعى لاصدار نشرات تبليغية من
خلال سفاراتها لتعرض للناس وجه الإسلام النوراني- الذي إن تجلى وأزيح عنه قناع
المعاندين وأولي الافهام المنحرفة وظهر بجماله الجميل الذي عرضه القرآن والسنة في
جميع أبعاده- فإنه سيعم العالم وستخفق رايته المجيدة في كل مكان".
ويتحدث الإمام القائد الخامنئي ويقول: "الآن في جميع أنحاء العالم (أفريقيا وأوروبا
وآسيا) يطلبون منا حضور العلماء وقد حدثتكم عندما التقيت بكم عام (1370هـ.ش) عن
العلماء الذين يذهبون إلى الخارج ثم عندما يعودون يقولون: التقينا بالطلاب في
المكان الفلاني وكم هم بحاجة إلى وجود عالم بينهم، فلماذا لا ترسلون أحداً إليهم؟
من المفيد أنكم ذهبتم إلى الخارج ورأيتم بأعينكم ما يجري. واليوم يطلبون ومن كافة
أنحاء الدنيا حضور العلماء..."11.
4- إبعاد الشبهات
لعل من أبرز الأهداف التي يجب أن يسعى إليها علماء الدين، رفع الشبهات والابهامات
عن أفكار الناس، لأن وجود الشبهة يؤدي مع مرور الزمان إلى التقليل من أهمية العمل
الذي ينسى يوماً بعد يوم، لذلك لا يجب الغفلة عن هذه الأمور.
واتسعت دائرة الحرب الثقافية التي يقوم بها الأعداء بعد فشل الحرب العسكرية التي
قادوها ضدنا، فبدأوا القاء الشبهات الفقهية والكلامية و... وكل ذلك بهدف توجيه ضربة
للثورة الإسلامية، ومن هنا يجب علينا أن نكون على استعداد لمواجهة الأعداء في هذه
المجالات والعمل على رد الشبهات بشكل منطقي. يقول الإمام الخميني في كتاب "ولاية
الفقيه": "عليكم العلماء أن تجدّوا في الارشاد والتعليم لأجل نشر الإسلام، وشرح
مفاهيمه. نحن مكلفون بإزالة الابهام الذي ألصقوه بالإسلام، وما لم نزل ذلك الابهام
فإننا لن نتمكن من تحقيق أية نتيجة. علينا أن نقوم- نحن والأديال الآتية- بإزالة
الابهام الملصق بالإسلام، والمرتكز في أذهان الكثيرين، حتى من المثقفين، نتيجة مئات
السنين من دعايات السوء، وأن نبين الرؤى الإسلامية للكون وأنظمته الاجتماعية
والحكومة الإسلامية، لكي يعرف الناس ماهية الإسلام ونوعية قوانينه"12.
5- تكرار المطالب الهامة
بشكل عام يجب أن يمتنع المبلغ عن تكرار العبارات والمطالب إلا أن يكون للتكرار
موضوعية، وعلى هذا فالمسائل الأخلاقية يجب تكرارها وكذلك الأمور التي يبتلى الناس
فيها وكذلك التي تحتوي على العبر. يقول الإمام الخميني (قده) في هذا الخصوص: "هناك
مسائل على قدر من الأهمية بحيث تحتاج معها لأن تتكرر كثيراً. وهذا ما نلحظه في
القرآن والكثير من كتب الأخلاق التي تهدف إلى بناء الإنسان والمجتمعات حيث نلاحظ أن
التكرار فيها جاء متناسباً مع أهمية الموضوع المتناول... وهذا ما يفسر لنا تأكيد
الإسلام على تكرار الأدعية والأذكار والصلاة كل يوم عدة مرات وبشكل دائم، إذ أن في
تكرار قراءتها تكراراً للنطق بها ولسماعها وبالتالي تكراراً لاستحضار مضامينها
الراقية والبناءة مما يزيد في تعميق هذه المضامين وترسيخها في النفس"13.
6- اتقان اللغات الحية في العالم
يجب الاهتمام باتقان اللغات المختلفة التي تبرز فيها الحاجة إلى التبليغ، والمطلوب
منا أن نتقن واحدة من اللغات المشهورة في العالم اليوم هذا في الحد الأقل. تجدر
الاشارة إلى أن الحوزات العلمية بدأت اليوم الاهتمام بهذا الأمر وهي في طريقها
للوصول إلى الأهداف المنشودة على مستوى نشر الإسلام.
يقول الإمام الخميني (قده): "ولو أنا كنا نتقن جميع اللغات من أجل تبليغ الإسلام
لكانت أكبر عبادة. فإننا لا نستطيع أن نوصل عقائد الإسلام وأحكامه إلى أمريكا وسائر
البلدان بلغتنا هذه"14.
ويقول أيضاً: "تدعوا الحاجة اليوم لنجعل تعلم اللغات الحية في العالم جزءً من
البرامج التبليغية للمدارس الدينية"15.
* مصطفى محمدي الأهوازي
1- سورة هود، الآية: 29.
2- كلام الإمام بتاريخ 22/7/1391هـ.ش.
3- سورة الصف، الآيتان: 2- 3.
4- وسائل الشيعة، ج11، ص194.
5- أصول الكافي، ج1، ص44.
6- مكارم الأخلاق، ص545.
7- أصول الكافي، ج1، ص45.
8- أصول الكافي، ج2، ص300.
9- صحيفة نور، ج9، ص50.
10- صحيفة نور، ج16، ص150.
11- كلمة الإمام القائد في مدرسة الفيضية- قم، شهر آذر، 1374هـ.ش.
12- الإمام الخميني، ولاية الفقيه، ص177، نشر امير كبير، طهران، 1357هـ.ش.
13- صحيفة نور، ج18، ص199.
14- صحيفة نور، ج18، ص79- 80.
15- صحيفة نور، ج18، ص98- 103.