بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ معرفة الأولويات في مجال التبليغ وتشخيص الأهم والمهم في كل عمل من ضرورات
الحياة العقلية والواعية. يواجه المبلّغون الأعزاء هذه المسألة في كافة أمور الحياة
ومن جملتها القيام بأداء رسالة هداية المجتمع العظيمة وإنجاز فريضة التبليغ
المقدسة. ممّا لا شكّ فيه أنّ وسائل الاتصال والإعلام أعمّ من القديمة والحديثة ذات
تأثير كبير في مستوى توجيه المجتمع في البعد الإيجابي والسلبي.
إنّ معرفة الأولويات ورعايتها والحفاظ عليها على مستوى التَقْنيين وتخصيص
الميزانيات والرقابة والقضاء والتبليغ وهداية المجتمع ثقافياً، كل ذلك من جملة،
الوظائف الأساسية للهيكلية السياسية والإدارية في كل بلد ونظام اجتماعي.
وتكون السياسات التبليغية العامة ناجحة وموفقة إذا أخذت بعين الاعتبار وجود برامج
طويلة الأمد ومتوسطة الأمد وقصيرة الأمد وإذا ترافقت مع التخطيط وايجاد الرساميل
ووجود الإدارة التنفيذية والرقابة الضرورية. إذا تمكنت حوزات العلوم الإسلامية
والمجلس الأعلى للحوزة من تحديد السياسات التبليغية العامة وتحرك الناس والطلاب
والدولة الإسلامية بناءً على التكامل الضروري، لأمكنهم وبمساعدة بعضهم البعض من
الاتيان بوظيفة تبليغ الدين العظيمة على أكمل وجه.
إن الخطابة والمنبر وسيلة تبليغية إعلامية تدار من خلال المبلّغين الأعزاء. وإنّ
المجالس والمحافل العاشورائية وصلاة الجمعة والمساجد والجلسات الدينية هي بركات
مَنَّ الله تعالى بها على الأمة والعلماء المحترمين.
وهنا يمكن الحديث عن مجموعة من التساؤلات:
هل يتم الاستفادة من الأجواء، التجمع السكاني، المحراب والمنبر والامكانيات الأخرى.
وهل يتم الاستفادة من الفرص التبليغية على النحو المناسب؟
هل تطرح الأبحاث الأكثر ضرورة للناس؟ هل القوالب المختارة هي الأفضل؟ ما هي الأمور
المؤثرة في عرض أو عدم عرض الأبحاث وفي تعيين تقدمها وتأخرها؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ لكل كلام مكاناً ولكل مسألة مقاماً ولكن ما هو الأسلوب والمنهج
المناسب لهذا المقام؟
إن تعيين الأولويات التبليغية لكل مسجد ومجمع ليس أمراً واحداً يحصل دفعة وفي مكان
واحد من خلال رسالة وتوصية. بل هناك أمور تقوم بدَوْرٍ على مستوى تشخيص وتعيين
الأولويات التبليغية، من جملتها الزمان والمكان والمخاطَبون والأحداث الاجتماعية في
المنطقة وموقف وسائل الاعلام والاتصال الأخرى وحركات الأعداء والأصدقاء.
من جملة النماذج التاريخية الهامة التي تشير إلى رعاية الأولويات التبليغية طرح بحث
الولاية في اجتماع الغدير من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطرح بحث
التوحيد والولاية الهام في اجتماع أهالي نيشابور من قبل الإمام الرضا عليه السلام
وطرح أصل البراءة من المشركين في الحج من قبل أمير المؤمنين عليه السلام.
من شروط النجاح في كل عمل، رعاية التدرج والاقتراب خطوة خطوة إلى الأهداف
التبليغية المقدسة، وكذلك الأهداف الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى الاخلاص
والنوايا المعنوية والطاهرة. يمكن الحديث عن ثلاثة أنواع من التخطيط الضروري لنجاح
المبلّغين في نشر الفكر والعمل الإسلامي:
1- التخطيط على مستوى النظام الإسلامي وعظماء الحوزة لإيجاد أعمال أساسية طويلة
الأمد في مجال التبليغ.
2- التخطيط على مستوى المؤسّسات التبليغية في البلد، بهدف ايجاد برامج للمنظّمات
المنضوية تحتها.
3- التخطيط على مستوى المبلّغين بهدف إيجاد أعمال وحركات تبليغية.
من أبرز وأهم شروط التخطيط، الالتفات إلى الأهداف ومعرفة الاحتياجات والأولويات
والامكانيات والأخطار.
إنّ رسالة النظام الإسلامي والحكومة الإسلامية هي تحديد السياسات العامة وايجاد
المؤسّسات التبليغية وتربية المبلّغين في مختلف الميادين ذات الحاجة على مستوى
المجتمع الإسلامي وعالم البشرية وفي الوقت الحاضر يتم تحديد هذه السياسات عن طريق
المجلس الأعلى للحوزة، والمجلس الأعلى للثورة الثقافية والمركز العالمي للعلوم
الإسلامية ومنظمة المدارس خارج إيران والمؤسّسات المشابهة.
إنّ بعض وسائل الإعلام والمؤسّسات التبليغية الموجودة أمثال منظمة الإعلام
الإسلامي، مكتب الإعلام الإسلامي، معاونية التبليغ في حوزة قم العلمية وممثلي
القائد في المؤسّسات التنفيذية، يمكنها جميعها تقديم خدمات جليلة وعظيمة إذا تكاملت
مع بعضها البعض، وبذلك تتمكن من أن تخطو خطوات جبارة على مستوى نجاة البشرية وخدمة
الإنسان.
لم نتعرض في هذا المقال للحديث عن وظائف المؤسّسات التي يقع على عاتقها رسم
السياسات. أما المخاطبون الأساسيون في هذا المقال، فهم العلماء الأعزاء الذين يؤدون
وظيفة التبليغ في مختلف الأماكن والذين يرغبون في التعرف على أولويات عمل التبليغ.
مما لا شك فيه أن التشخيص الدقيق للأولويات التبليغية والقيام بالوظائف الإلهية على
أساس المعرفة والإحساس بالمسؤولية الدينية، يقوم بدورٍ كبير على مستوى هداية
المجتمع والأمن الثقافي والاستقلال الاجتماعي.
لا ينبغي أن يظهر التبليغ على شكل حرفة أو عادة أو مراسم فاقدة للروح وإلا فسيفقد
الدور الجدي المناط به.
إنّ المبلّغين الملتزمين والواعين، يوجهون باستمرار سؤالاً إلى أنفسهم، ما هي
المسألة التي يجب أن تكون محور الحديث اليوم؟ ولماذا؟ وما هو العنوان الذي
يجب تكراره ولماذا؟ ما هي الأبحاث التي يجب التذكير بها في كافة المجالس
والاجتماعات ولماذا؟ ما هو الزمان الذي ينتهي عنده عرض بعض الأبحاث والشروع بأبحاث
فكرية وثقافية أخرى؟ ممّا لا شكّ فيه أن بعض الأبحاث هي بمثابة الغذاء الفكري
اليومي للمجتمع التي يجب وضعها دائماً في متناول أيديهم. بعض الأبحاث بمثابة الدواء
الذي يحتاج إليه المرضى حيث يجب إيكال الأمر إلى أطباء أمناء ووضعه في متناول أيدي
المرضى.
هناك بعض المعارف التي تشكل حالة كالسم للتبليغ الإلحادي حيث يجب وضع تلك المعارف
في متناول أيدي المجتمع عند التسمم. وبعض المطالب بمثابة الغذاء الفكري لرجال
الدولة والمسؤولين التنفيذيين في البلد. وبعض الحقائق القرآنية بمثابة الغذاء
الفكري للتلامذة والطلاب حيث يجب التذكير بها حسب الحاجة.
إنّ المبلّغ الملتزم والواعي هو الذي يتمكن من تحديد الأمراض الفكرية الرائجة فيقدم
للمجتمع ما يساهم في علاجها ويصونه من الابتلاء والانحراف فهو كالطبيب السيار الذي
يبذل الجهود في مداواة المرضى.
إن الأولويات في المجتمعات المعاصرة سريعة التحول والتبدل وإذا كانت مسألة معينة قد
شغلت المجتمعات القديمة لسنوات طويلة فاليوم هناك العديد من المسائل الجديدة التي
تظهر كل أسبوع لا بل كل يوم.
يمكن إجراء التبليغ على أساس التدبير والحكمة والالتفات إلى الاحتياجات والأولويات
والظروف الروحية والنفسية للمخاطبين وكذلك الأجواء الثقافية للمجتمع. إن الدعوة
الأولى التي وجهها الوحي للمبلّغين الأعزاء، دعوة المجتمع إلى سبيل الله على أساس
الحكمة والتدبير وفي مرحلة لاحقة يأتي الاستفادة من الموعظة والجدال بالحسنى.
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[1].
* محمود مهدي بور
[1] سورة النحل، الآية: 125.