1- التعادل:
إن التحزبات غير الصحيحة والتنافس السلبي ليست أموراً ايجابية، بل هي أمور لا يمكن
قبولها وهي بعيدة عن الحكمة والشريعة. طبعاً الإسلام يؤيد وجود الفرق والتنافس
السياسي البعيد عن الافراط والتفريط، وعن الانحراف والميل نحو اليمين واليسار أو
إلى الشرق والغرب أي الذي يندرج في اطار الصراط المستقيم.
بعبارة أوضح يجب أن يكون المعيار هو التعاليم الدينية الصريحة فقط، تلك التي ذكرت
في القرآن الكريم والروايات الإسلامية، حيث يجب أن يكون الدين على رأس كافة الأمور
والنشاطات الحزبية والفردية.
من المناسب أن يقيد مبلغو الدين أنفسهم بهذا المعيار وأن يرشدوا الآخرين إليه حيث
ينبغي رسم الأصول السياسية الإسلامية لهم.
يقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام في هذا الشأن: "الصراط المستقيم، هو صراطان:
صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصد من
الغلو وارتفع عن التقصير واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل"[1].
وعلى هذا الأساس، فإنّ الطريق الوحيد المقبول من ناحية الإسلام هو البعيد عن الباطل
ـ أمثال: الأفكار السياسية غير الدينية، محورية الشرق والغرب، الأهواء النفسانية
والاحتياجات المادية الصرفة ـ والبعيد عن الإفراط والتفريط.
ينبغي لمبلِّغي الدين الابتعاد عن الأجنحة الباطلة، وأن يقيسوا عمل وسلوك الأحزاب
والمجموعات طبق ذاك المعيار، وأن يوضحوا حقائق الأمور للناس.
طبعاً هنا يجب الحؤول دون السلائق الفردية والتأكيد على التعادل واتباع طريق الحق،
كما يقول الإمام علي عليه السلام: "اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة،
عليها باقي الكتاب وآثار النبوة ومنها منفذ السنة وإليها مصير العاقبة"[2].
إن التعادل والوسطية واتباع الصراط الإلهي المستقيم، هو الطريق الأكثر اطمئناناً
ومقبولية ومطلوبية، وهو الذي يجب على مبلغي الدين اعتماده في المجال السياسي
والالتزام بأصوله ومعاييره كي لا يكونوا مصداق الرواية الشريفة: "وأَخَذُوا يميناً
وشمالاً ظعناً في مسالك ألغي وتركاً لمذاهب الرشد".
وكان الإمام الراحل قدس سره يؤكد على هذا الأمر أيضاً، يقول: "أطلب من جميع
المتصدين للأمور في الجمهورية الإسلامية خصوصاً علماء الدين أن يراعوا في تدبير
أمور البلاد وحل القضايا خط الإسلام بشكل دقيق وأن لا يقعوا تحت تأثير التحزبات
والميل إلى فئة ومعارضة فئة أخرى وأن يتعاملوا مع الناس ومن يراجعونهم بالعدل
الإسلامي والعطف المتوقع من الجمهورية الإسلامية"[3].
إذاً يجب على المبلغين القيام بدَوْر ايجابي ومؤثر في هذه النقاشات والنزاعات
والفتن وأن لا يقعوا ضحية الأحداث والتشنجات السياسية وأن يجعلوا من كلام
أمير المؤمنين عليه السلام حلقة على آذانهم حيث يقول: "كن في الفتنة كابن اللبون،
لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب"[4].
2- البحث عن الحقيقة:
من جملة المعايير البعيدة عن الفرق والأحزاب والقائمة على أساس الأصول،
الاصرار على الحق والالتزام به. المبلغ الصالح، هو الذي يعرف الحقيقة ويدافع عنها
ويتبع طريق الحق، وهو الذي يبادر في نشاطاته السياسية والاجتماعية على أساس هكذا
معيار. وأما على مستوى التنافس والتحزب السياسي، فالمبلغ الصالح هو الذي يقبل
السلوك الأقرب إلى الحق والصلاح وهو الذي يبتعد عن طريق الباطل. إن طريق الحق واضح
وسهل باستمرار، حتى لو غطته غبار الغربة على أثر النقاشات الاجتماعية والنزاعات
السياسية، والله تعالى هو الذي يظهر تلك الحقيقة للراغب بالوصول إليها، كما يقول
الإمام علي عليه السلام: "إن الله قد أوضح لكم سبيل الحق وأنار طرقه"[5].
ويقول الإمام عليه السلام في مقطع آخر: "عليكم بالمحجة البيضاء فاسلكوها وإلا
استبدل الله بكم غيركم"[6].
في الأساس فإن السياسة الدينية هي التي تبنى على أساس الحق والحقيقة حيث كان علماء
ومبلغو الإسلام العظام مقيَّدين بذلك. يقول الإمام الراحل في هذا الشأن: "ما أريد
أن أقوله أنّ السياسة حقٌ من حقوق الأنبياء والأوصياء وعلماء الدين... فلو افترضنا
وجود شخص يريد أن يطبق وينفّذ مبادئ السياسة بمعناها الصحيح لا بمعناها الشيطاني
الفاسد، أو أن حكومة ما أو رئيس جمهورية ما أو دولة ما تريد الالتزام بتطبيق
السياسة الصحيحة وأن
تعمل لخير الأمة وصلاحها، فإن كل هذا لا يمثل إلا بعداً واحداً من أبعاد السياسة
لدى الأنبياء والأولياء"[7].
وعلى هذا الأساس إذا كان الشخص تابعاً للحق والسياسة الإسلامية الصحيحة، يمكن قبول
كلامه وسلوكه. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إقبل الحق ممن أتاك به
ـ صغيراً أو كبيراً ـ وإن كان بغيضاً، واردد الباطل على من جاء به من صغير أو كبير
وإن كان حبيباً"[8].
3- الثبات في طريق الحق:
ينبغي بعد معرفة الحق والابتعاد عن الافراط والتفريط واعتماد الخط
السياسي المتعادل، الثبات في هذا الطريق وعدم الخوف من الصعوبات والمشقات.
يتمكن مبلغو الدين بما يمتلكون من كياسة من الابتعاد عن النقاشات السياسية والأحزاب
والمجموعات، وفي الوقت عينه توضيح طريق الاعتدال للناس. ليس من الضروري الإشارة إلى
اسم حزب أو شخص بعينه، إلا أنه يكفي أن تكون معايير الطريق الصحيح واضحة ليتمكن
الناس من الحركة طبعاً الطريق المستقيم.
يتحدث القرآن الكريم حول الثبات في طريق الحق قائلاً:
﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ
آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾[9].
وفي آية أخرى يخاطب الله تعالى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا
أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْ﴾[10].
يوضح الإمام الخامنئي دام ظله مسؤولية علماء الدين على النحو التالي: "تصبح
السنة الإلهية عملية عندما نقف في أماكننا بثبات واستحكام، هذا هو أصل القضية. يجب
على العلماء الثبات عملاً، وقولاً، وفعلاً، وسياسياً، واجتماعياً، وفردياً
وجماعياً، في المكان الذي نحن فيه والذي هو منصب لنا ـ مهما كان هذا المنصب، وأيّاً
كانت مأموريتنا ومسؤوليتنا، وأن نقوم بعملنا والله تعالى هو المعين"[11]
إذاً ينبغي للمبلِّغين رعاية الوسطية وعدم الانحياز فيما يتعلق بالمجموعات السياسية
وعليهم عدم الغفلة عن توضيح الحقائق والوقائع السياسية والاجتماعية وتقديم المعايير
والشواخص الدينية الأساسية، وينبغي الخوف من المجموعات التي تخاف الحق. يقول الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا
علمه. ألا إنّ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"[12].
طبعاً عندما ينهض علماء الدين للدفاع عن الحق والصراط المستقيم، يجب عليهم الابتعاد
عن الأسلوب العامي والمظاهر التي قد تقدمها المجموعات والأحزاب السياسية وعدم
الوقوع في شباك المنافقين والمنحرفين.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "اعلموا أن الله تعالى يبغض من خلقه المتلون،
فلا تزولوا عن الحق وأهله، فإن من استبد بالباطل وأهله هلك وفاتته الدنيا"[13].
النتيجة:
النتيجة أن المجتمع الذي تعيش فيه مجموعات سياسية وأحزاب ومؤسّسات يعيش
حالة نزاع وتنافس واضح وغير واضح، ولكن عندما يخرج التنافس والنزاع عن حدود
المعايير المحددة يؤدي إلى الكثير من المشكلات والصعوبات.
في هذا الاطار يجب على المبلغين إظهار مقدار كبير من الوعي والاستقلال، وذلك
لأنهم على علاقة بالناس وببعض الأحزاب السياسية واعتماد السبل الآتية:
1-عدم الانحياز إلى المجموعات واختيار سلوكيات فوق التحزبات.
2- الابتعاد عن الافراط والتفريط وعدم الميل نحو اليمين واليسار واعتماد طريق الحق
والوسطية والتعادل.
3- الابتعاد عن النزاعات السياسية اليومية والمساعدة في تلطيف الأجواء السياسية.
4- معرفة واتباع الحق، تعيين المعايير الإسلامية، امتلاك روحية محورية الحق
والهداية إلى الصراط الإلهي المستقيم.
5- الاستقامة والثبات في اتباع طريق الحق والحقيقة (بالأخص الولاية) والدفاع عنه.
6- اعتماد أسلوب الاشفاق الأبوي بالأفراد.
* رحيم كاركر
[1] بحار الأنوار،
ج24، ص9، ح1.
[2] نهج البلاغة، خ16.
[3] صحيفة النور، ج14، ص142.
[4] نهج البلاغة، الحكمة 1.
[5] م.ن، الخطبة 87.
[6] غرر الحكم، ح 6150.
[7] صحيفة النور، ج13، ص217.
[8] بحار الأنوار، ج75، ص29.
[9] سورة إبراهيم، الآية: 27.
[10] سورة هود، الآية: 112.
[11] حديث الولاية، ج9، ص110.
[12] كنز العمال، ح43588.
[13] أمالي المفيد، ص137، ح6.