الإخلاص والتوسُّل
لا شكّ أنّ المناجاة في جوف الليل والتوسُّل بالنبي والأئمة الأطهار واحد من أهم
أسباب التوفيق عند العلماء والأولياء الإلهيين، فالإنسان يستطيع من خلال التوسل
الحقيقي أن يصل إلى مراتب عالية في تحصيل العلوم واكتساب الإخلاص وتهذيب النفس
والتخلُّص من مختلف المشاكل التي تعترض حياته. فلا شكّ أنّ خلوات العرفاء وتهجُّدهم
وإحياءهم الليل وتأدية نوافل الليل والنهار وبركات وأسرار السَّحَر تعطي السالك في
سبيل الله الأمل والهدوء والطمأنينة.
وكما قيل: إنّ كلّ بركة منحها الله للعبد إنما هي ببركة دعاء الليل وأوراد
السَّحَر.
ومن هنا فإن آية الله القاضي لم يكن لينقطع عن الذكر والتهجُّد والتعبد طيلة أيام
حياته، فقد كان الدعاء والتوسل من أهم برامجه في الليل والنهار، وكان يعتبر أنّ سرّ
توفيقه مرهون لهذه الخصلة فيه، فقد كتب في بعض مذكراته: "عندما كنت أتلقَّى علومي
في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة وقبل مغادرتي إلى النجف الأشرف كنت أملك
شوقاً كبيراً وميلاً خاصاً لتعلم مادة أصول الدين، وفي هذا الأمر لم أكن لأكتفي
بتعلم الواجبات العامة والمطلقة، بل كنت أملك رغبة قوية بتعلُّم كافّة تفاصيل وفروع
وحقائق أصول الدين، ومن جملتها فقد استمعت كثيراً لموضوع علم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم والإمام عليه السلام بغية أن أمتلك اعتقاداً جازماً بهذا الأمر وعدم
الاكتفاء بالظنّ والتخمين، بل حتى وعدم التقليد للآخرين، ومن أجل الوصول إلى هذه
الغاية مددت يد التوسل بأهل بيت العصمة وسألت الأئمة الأطهار تحقيق هذه الرغبة".
وفي إحدى السنين كان من سعادتي أن وفقني الله لمجاورة المقام المطهر والقبر المنير
للإمام الرضا عليه السلام، وكنت أجلس خلف الرأس المبارك داخل الحرم وكان مرادي هو
التالي: أن أحصل على إشارة من الإمام الرضا عليه السلام تجعل اعتقادي بموضوع علم
الإمام اعتقاداً جازماً وأن أفهمه فهماً تقصيلياً عميقاً، وأن ينكشف لي هذا الأمر
وينجلي من خلال القرآن الكريم، وبقيت على هذه الحال عدة أيام مداوماً على التوسل
بالإمام إلى أن حدث ذات يوم أني كنت داخل المقام وفي نفس المكان الذي كنت أجلس فيه
مقابل الضريح وأنا مشغول بالتفكير في نفس الموضوع، فشعرت فجأةً بإلهامٍ وقع في قلبي
حول موضوع علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام وأن آية التطهير
وحدها كافية لنفي أيّ جهلٍ أو عدم معرفة عنهم، فالله تعالى يقول
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرً﴾[1].
السعي من أجل وحدة المسلمين
لا شك أن مسألة وحدة المسلمين وتآلفهم لا تحتاج إلى استدلال أو برهان،
وأن هذه المسألة جزء أساسي من أهداف وطموحات القادة والعلماء الغيارى في العالم
الإسلامي. كما أنّ إنقسام المسلمين وتفرقتهم من أشد أسباب ذلة المسلمين وانكسارهم،
ولذلك فقد كان آية الله القاضي لا يألو جهداً ولا يوفر فرصةً في هذا المضمار إلا
ويستفيد منها إلى هذه الدعوة، لأنه كان يعتقد اعتقاداً راسخاً بالمقولة التي اشتهرت
عن استاذه العلامة محمد حسين آل كاشف الغطاء
بأن "حصن الإسلام في كلمتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة".
كتب آية الله القاضي: أذكر يوماً كنت في مدينة الرمادي عائداً من سورية إلى العراق
وكان الوقت أوشك على الغروب، فتوقفنا لأداء صلاة المغرب ثم إكمال المسير، فتوضأت
ودخلت الساحة الكبيرة للمسجد وكانت مفروشةً بالحصير، فوقفت للبدء بالصلاة فرأيت
عدداً من الشبان من أهل السنة وقفوا على بعد أقدامٍ مني، وعلمت أنهم يريدون أن
يعلموا كيف سأسجد سيما أني وضعت سجدةً فوق الحصير وكذلك فعل أكثر رفاقي الذين كانوا
معي اقتداءً بي، وبعد الفراغ من الصلاة تقدم بعضهم وسأل عن حقيقة السجود على التربة
الكربلائية التي كان البعض قد وضعها أمامه، وفي واقع الأمر فقد شرحت لهم المسألة
بالتفصيل وأبدوا قناعة بالموضوع وكانوا ممتنين جداً وقالوا إنّا كنا نظلمكم نظراً
لما كانوا يلقنوننا إياه عنكم في هذه المسألة[2].
القوة والشهامة
كان آية الله القاضي واحداً من مصاديق قول أمير المؤمنين في حديثه عن
رجال الله: "عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم"[3]، فقد كان واحداً من
العلماء المجاهدين الذين وقفوا سنين طويلة علناً وبكل شجاعة في مواجهة النظام
البهلوي أثناء أوج قدرته، وكان يحقّر أزلام النظام ويستهزئ بهم متوكلاً على الله
وحده، ولم يترك ساحة المواجهة هذه أو يتخلى عن دوره ولو للحظةٍ واحدة. وفي هذا
المقام نقتصر على ذكر خاطرتين فقط في هذا الجانب من حياته:
1- عندما كانت الثورة الإسلامية في أوج نهوضها في أيام جريمة 15 خرداد 1342هـ.ش.
قام النظام الشاهنشاهي بدعوة جمعية العلماء المجاهدين في آذربايجان إلى غرفة
التجارة في مدينة تبريز من أجل الحوار وإيجاد حل سياسي للأزمة السياسية التي تعصف
بالبلاد والبدء بعملية الإصلاح، وفي هذا الجمع قام آيه الله القاضي من مكانه ووقف
منفرداً وبكل شجاعة وبدون أي خوف وصاح باتباع النظام قائلاً: "أنتم ماذا تريدون
منا؟ نحن لا نريد منكم إلا احترام القانون".
هذه الجملة القاسية أربكت قائد الفيلق الذي كان يحاوه وأدّت إلى مشادّة كلامية
قاسية بينهما، فما كان من أتباع النظام إلا أن اعتقلوا هذا الرجل الحر والشجاع
ووضعوه في طائرة وتم إبعاده عن تبريز، وبعد سنتين عاد إلى دياره مكلَّلاً بالنصر
واستقبله أهالي آذربايجان استقبالاً لائقاً.
استاء النظام من هذا الاستقبال الحاشد لآيه الله القاضي كونه كان سبباً عفوياً في
انعقاد النطفة الأولى لمشروع المواجهة مع النظام الجائر[4].
وكان آية الله القاضي يرتقي المنبر دائماً ويُطلق البيانات النارية في وجه النظام
أثناء أوج قدرته والتي كانت تشكل زلزالاً في أرواح هؤلاء الطغاة وأزلامهم والتي
كانت تسري كالنار في الهشيم في توعية الناس. وهذا الموقف القاطع والجازم في وجه
الطغاة ووقوفه الثابت وغير المهادن في وجه أبواق الزور كان يقابله العالم المؤدب
والمتواضع والرحيم لإخوانه وأصحابه المؤمنين، وهذه علامة أخرى من علامات أحباء الله
﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾[5].
2- عندما كان يمثل أمام أزلام المخابرات (ساواك) فإنه كان يقف بكل شجاعة بدون أي
ضغفٍ أو خوف، بل على العكس فقد كانت روحيته روحية إباء ومقاومة في وجههم.
ففي فترة إبعاده إلى منطقة كرمان كان أحد رجال المخابرات يدخل عليه في محلّ إقامته
بأمر من المؤسّسة التابع لها للقيام بتفتيش عن الحضور والغياب، وكان - وفقاً
للتعليمات المعطاة له - يدخل بكلّ وقاحة وجرأة إلى وسط الغرفة بحذائه من الشباك بدل
دخوله من الباب، ويصيح بهم بمنتهى الغرور والتكبر آمراً إياهم بصوت خشن: بسرعة،
تحركوا.
مرت عدة أيام على هذا المنوال وآية الله القاضي يذكره بضرورة رعاية الأدب والاحترام
لكن ذلك المتعجرف المغرور لم يكن لينصت للنصائح المهذبة لذلك العالم الرباني صاحب
الضمير اليقظ ولم يترك فعلته التي لا تتوفر فيها أي شكل من أشكال الخجل والحياء حتى
دخل يوماً إلى وسط الغرفة بنفس تلك الطريقة التي اعتاد الدخول بها فما كان من آية
الله القاضي إلا أن تناول كتاباً ثقيلاً وضخماً من كتبه وضربه به على رقبته ضربةً
محكمة وصاح به: يا قليل الأدب، ألم أقل لك أن تكون مؤدبا[6]؟! فما كان من ذلك
المغرور إلا أن ترك الغرفة بمنتهى الخوف والجبن ولم يعد يكرر فعلته تلك منذ ذلك
اليوم.
عشقه للكتاب والمطالعة
كان آية الله القاضي شغوفاً جداً بالمطالعة بل لا نظير له في القراءة
وتتبع المسائل العلمية، وإذا تناول حصل على كتابٍ فلم يكن ليضعه في المكتبة قبل أن
يكمل مطالعته، وكانت مكتبته منظمة جداً وتحتوي على الكثير من الكتب القيمة التي
ورثها عن أجداده أو اشتراها بنفسه، فقد كانت مكتبته تضمُّ ما يزيد عن خمسة عشر ألف
كتاب وأكثر من ألف نسخة مخطوطة ونادرة، ومن هنا فقد كانت واحدةً من المكتبات القيمة
والصروح العلمية في مدينة تبريز.
وكان عندما يُحضر كتاباً ما فإنه يتصفحه بشكلٍ عامّ، ثم إن كان ممكناً فإنه يقرأ
الكتاب كاملاً، وإلا فإنه يقرأ فصلاً أو بعضاً من فصوله، وشيئاً فشيئاً يبدأ بتحقيق
موضوعاته بدقة، ويضع علامة على حاشية الكتاب في كل مكان يحتاج إلى ردّ أو توضيح، ثم
يدوّن ملاحظاته الإيجابية وانتقاداته على حاشية تلك الصفحة.
الاهتمام بشريحة الشباب
استلهم العالم الحكيم آية الله القاضي من الإمام الصادق عليه السلام
ضرورة الاهتمام بالشباب فقد ورد عنه عليه السلام: "عليكم بالأحداث فإنهم أسرع إلى
كل خير"[7]، فعمل بشكلٍ مهم على رفع المستوى الثقافي لشريحة الشباب وعلى ترسيخ
الأصول الدينية والأخلاقية لمنهج أهل البيت في نفوس وعقول هؤلاء الشباب، وفي الوقت
الذي أُقفلت فيه أبواب مدينة تبريز في وجه الثوار وخصوصاً الشباب خوفاً من النظام
فإن هذا العالم العظيم الشأن فتح باب بيته لهم وقدّم لهم الحماية الكاملة وعمل بجدّ
واجتهاد على تربيتهم وأنار لهم طريق الإسلام والثورة وعلمهم كيفية الحياة بهذا
الدين العزيز، واستظاع أن يُحّول المجتمع إلى مجتمعٍ يعشق الإيمان والمعنويات، وما
زال الشباب يملكون خواطر وذكريات كثيرة عن الشهيد السعيد وتوجيهاته النيّرة التي
بعثت فيهم الحياة في تلك الفترة.
كرم أخلاقه
في إحدى المناسبات، دخل إلى منزله أحد رجال الدين المعادين للثورة
زائراً، وبدون أي تردد وقف له آية الله القاضي وسلّم عليه وأبدى له كامل الاحترام،
وبعد مغادرته سأله أحد المقرّبين منه: لماذا أبديت هذا الاحترام الشديد لهذا الرجل
المعادي لك؟ فأجابه السيد القاضي: لسببين اثنين، فأولاً لأنه ضيفنا واحترام الضيف
واجب حتى وإن كان عدواً لنا، وثانياً فإنه يرتدي زي رجال الدين ويجب المحافظة على
قداسة هذا الزي[8].
شوكة في أعين الأعداء
تماماً كما عمل آية الله القاضي بكلّ جهد على تحقيق أهداف الإسلام
والدفع قدماً نحو القيام بالثورة فإنه وقف سدّاً منيعاً في وجه أجواء الفتنة وعمل
على مواجهتها والتصدي لها مما جعل الأعداء يظهرون له البغض والكراهية فراحوا ينشرون
عنه الأكاذيب ويلفقون له التهم الباطلة ويهددونه بالقتل، إلا إنه وقف بكل شجاعة في
وجه هذه التهديدات قائلاً: "أبالقتل تهددونني؟! فأنا لا أخاف الشهادة، وحاضر لها،
بل إني أطلبها من الله"، فلقد كان إيمانه راسخاً بكلام الله تعالى:
﴿يُجَاهِدُونَ
فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾، فقاومهم بكل إرادة وثبات
مشكِّلاً سدّاً منيعاً في وجه المعارضين للدين والأحكام الإلهية.
وهذه الحقيقة يمكن مشاهدتها في ملفات المخابرات الإيرانية (ساواك)، فقد جاء في أحد
هذه الملفات أنّ رئيس جهاز الأمن في منطقة آذربايجان الشرقية كتب عن آية الله
القاضي يقول: "من الأسماء المشهورة أحد رجال الدين المعارضين للنظام في آذربايجان
الشرقية، بل هو على رأس هؤلاء المعارضين، وقد إزداد نشاطه وفعاليته سنة 1342هـ.ش.
وأصبح يعارض الدولة واللوائح السداسية (وهي لوائح متبناة من قبل النظام) بشكلٍ علني
وبدأ بتوهين وتحقير المقامات العالية وأجهزة المخابرات والمؤسّسات الإدارية في
الدولة، ويُشار إلى أنه أثناء انتخابات عام 1342هـ.ش. حرّم المشاركة بها وأصدر
بياناً تضمَّن مطالب قاسية حول الإنتخابات وبعض المسائل المتعلقة بها، وهناك
مستندات موجودة تؤكد أنه كان دائماً يعمل على توهين المسؤولين والبرامج الإصلاحية
للنظام وأنه كان يُسند هذه البيانات إلى رأي الخميني".
وفي عيد الفطر سنة 1388هـ.ق الموافق لسنة 1347هـ.ش. ارتقى المنبر في مسجد المقبرة
وتحدث بخطبة رائعة عن وضع الأخوات وظهورهنّ في الساحات العامة، وأبدى مجموعة من
الآراء التي يجب على الأخوات التنبه لها كونها تنافي العفاف الاجتماعيّ العامّ، كما
تعرض في خطبته إلى بعض الآراء حول موضوع الأقليات المذهبية مما دفع المنظمة الأمنية
في تلك المحافظة إلى اعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة ستة أشهر بقرار صادر
عن الفرع الثاني من محكمة المحافظة.
مواجهته لإسرائيل
جاء في رسالة أرسلها لآية الله العظمى الميلاني في 15 شوال 1388هـ.ق. من صحراء
كرمان يبين فيها سبب الحكم عليه بالإبعاد أنه: عندما خرجت من المسجد ليلاً بعد أن
أدَّيتُ فريضة الصلاة تم اعتقالي وإبعادي إلى هذه الصحراء، وهنا قالوا لي إنه عليَّ
أن أبقى مدةً من الزمن في هذا المكان لأن الخطبة التي تحدثت بها يوم العيد تضمَّنت
اللعن على اليهود (خذلهم الله وأخزاهم)، ومع أني هنا وحيد ولا يوجد أي اهتمام لكن
لطف ومحبة الناس هنا على اختلاف طبقاتهم في هذه المنطقة أزالا عني آثار الغربة
والبعد، وأني مسرور فعلاً لأني تفاجأت بذلك في مكان إبعادي.
أشعاره التوحيدية
يعتبر الشعر والفن من أهمّ الوسائل التي يعتمدها العلماء والمبلِّغون من
أجل إيصال المضامين المعنوية والعرفانية في الفكر الديني، ولم يكن السيد القاضي
مستثنىً من هذه القاعدة، بل كثيراً ما كان يعتمد الشعر في إيصال النغمات التوحيدية
إلى آذان المشتاقين.
الغيرة والحسّ الديني
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى غيور ويحبّ كل
غيور"[9].
يعتبر الحس الديني والغيرة للدفاع عن القيم الدينية من لوازم الإيمان الكامل في
شخصية المؤمن، فالإنسان المؤمن يتجه تلقائياً لمواجهة أي انحراف في كلام الأعداء من
شأنه أن يُشكِّل خطراً على الكيان الإسلامي، ويواجه كافة الخلافات والآراء الدينية
والاجتماعية الشاذة.
وعلماء الدين من الذين يمتلكون حساسية عالية في هذه الخصوصية، ومنهم آية الله
القاضي الذي كان عالماً يتمتع بهذه الخصوصية من الغيرة والحسّ الديني المرهف والتي
تجسّدت في مراحل مختلفة من حياته من خلال الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم والقيم الدينية.
فعندما انتشرت بعض كتابات أحد الكتّاب التي يتطاول فيها على بعض الأصول القيمية
للشيعة، والتي شكّلت هجوماً قاسياً على الحدود العقائدية لعالم التشيع، فإن آية
الله القاضي وبمجرد اطلاعه على هذا الأمر غضب غضباً شديداً وتغير لونه واضطربت
حالته، ولم تمر بضعة أيام إلا وآية الله القاضي كان قد أعدّ الردَّ المناسب على تلك
الآراء وبما يليق وذلك الكاتب.
أنتشر خبر هذه المواجهة الفكرية كالنار في الهشيم، فتصدَّى أحد العلماء المقتدرين
وأحد حرّاس العقيدة وهو الحاج محمد علي الأنصاري وقام بكتابة هذه الردود الواردة عن
آية الله القاضي بطريقة فصيحة وبليغة وتم طبعها في كتاب أسماه "الإجابة على علماء
السوء" تضمن الرد عل هذيان وثرثرة هؤلاء الكتّاب، وتم نشر الكتاب، ومرة أخرى عمّ
الفرح والسرور بانتشار هذا الكتاب وشكّل ذلك موجة فرح عارمة وكان ذلك بحضور آية
الله القاضي الذي أشاد
بالمؤلِّف الصديق وبالقيمة العلمية والأدبية للكتاب، وطُبع من هذا الكتاب آلاف
المجلدات وتم توزيعها في المنطقة وبذلك تم القضاء على أحد مخططات الشؤم لأعداء
الإسلام[10].
السيد القاضي في نظر كبار العلماء
1- العلامة السيد محمد حسين كاشف الغطاء
جاء في رسالةٍ يخاطب فيها السيد القاضي قائلاً له: أيها السيد الكبير، أيها العالم
العالي المقام.... نحن نرى ونتابع إرشاداتكم وتعليماتكم التي تركت أثرها النافع
والمفيد لأهالي آذربايجان عموماً وأهالي تبريز خصوصاً، وأن سرعة تأثير خدماتكم
القيمة والجليلة في نصرة الحقّ وحضّ الباطل أمر ملموس ومحسوس. وعليه فأي شخصٍ أفضل
منكم أو مقدمٌ عليكم في نصرة الحق بعد الذي تقدمونه[11]!
2- حضرة الإمام الخميني قدس سره قائد الثورة الإسلامية الإيرانية
يقول الإمام الخميني قدس سره في إحدى كلماته في شأن السيد القاضي بعد وفاته: السيد
القاضي من الأصدقاء القدامى الذين تربطني بهم علاقات قديمة، وقد تعرض لدخول السجون
وللنفي والإبعاد، وهو واحد من الأفراد الذين تعرضوا للإرهاب وغاية النظام في ذلك أن
يجعلكم يائسين ومحبطين[12].
وفي حديثٍ آخر يخاطب بزجر أزلام أمريكا: "أيجب علينا أن نحفظ ونصون الطبّاخين
الأميريكيين والميكانيكيين الأميريكيين والإدارات الأميريكية والموظفين والفنيين
وعائلاتهم، والسيد القاضي يبقى سجيناً"[13]؟!
3- آية الله العظمى الكلبايكاني
كتب آية الله العظمى الكلبايكاني الذي كان أحد أساتذة السيد القاضي عن شخصية هذا
العالم الشهيد: كان من الوجوه العلمائية البارزة وأحد أبناء الإسلام العزيز، وكانت
خدماته القيمة وآثاره العلمية والكتبية زينة المكتبة الشيعية فضلاً عن كونه من
السلالة الطاهرة لأهل البيت عليهم السلام ومن العشّاق المخلصين لنهج سيد الشهداء
عليه السلام[14].
وأيّد كبار علماء الشيعة الدرجات العلمية والمعنوية الرفيعة التي نالها سماحة السيد
القاضي وأثنوا كثيراً على مقامه العلمي وكانت جهوده المباركة مورد تأييد واحتفاء
وعناية الكثير من العلماء الأعلام، نذكر هنا بعض المشاهير من هؤلاء أمثال: العلامة
الشيخ آغا بزرك الطهراني، آية الله السيد محمد كوه كمرى، العلامة المجاهد السيد عبد
الحسين شرف الدين العاملي، العلامة المجاهد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، آية الله
الحكيم، الإمام الخميني، آية الله الكلبايكاني، آية الله الخوئي، آية الله المرعشي
النجفي، العلامة الطباطبائي، آية الله الشاهرودي (مرجع الشيعة في النجف)، والسيدة
العلوية الهاشمية المعاصرة نصرت أمين الأصفهاني.
روحية طلب للشهادة
كان آية الله القاضي يعتبر الشهادة أملاً عظيماً وكان يتوسّل ويطلب من
الله بكلّ خضوع أن يرزقه هذه الأمنية الجميلة ويردد: "يا ليتني أشرب من كأس الشهادة
كما شرب منها الشهيد المطهري"، وفي النهاية ففي العاشر من شهر آبان وبعد مرور ستة
أشهر على استشهاد العلامة المطهري نال السيد القاضي أمنيته بالشهادة.
كتب الإمام الخميني قدس سره في جزء من بيان التعزية بشهادة آية الله القاضي: إنّ
الشهادة تعني الافتخار بالفوز بالحياة الأبدية ومصباح هداية الأمم، وعلى الأمم
الإسلامية أن تتخذ المجاهدين في سبيل الحرية والاستقلال وتحقيق أهداف الإسلام
نموذجاً وقدوةً لها، وأن تقف سدّاً منيعاً من خلال اتحادها في وجه الاستعمار
والاستثمار. فإلى الأمام نحو الحرية والحياة الكريمة للإنسان. نسأل الله المتعالي
الرفعة والعظمة للإسلام وللشهداء الرحمة والمغفرة لا سيما الشهيد السعيد السيد
الطباطبائي[15].
عبد الكريم باك
[1] سورة الأحزاب،
الآية: 33.
[2] تحقيق حول الأربعين، ص280. (فارسي).
[3] نهج البلاغة، خطبة 193.
[4] جريدة كيهان الصادرة بتاريخ 12/8/ 58 .
[5] سورة المائدة، الآية: 54 .
[6] القاضي الطباطبائي، ص75, (فارسي).
[7] الكافي، ج8، ص93.
[8] القاضي الطباطبائي، ص103.
[9] مشكاة الأنوار، ص 415.
[10] القاضي الطباطبائي، ص 111.
[11] الفردوس الأعلى، ص64.
[12] صحيفة إمام، ج10، ص452 .
[13] همان، ج1، ص 421 .
[14] جريدة كيهان الصادرة بتاريخ 12/8/58 .
[15] صحيفة إمام، ج10، ص420.