بسم الله الرحمن الرحيم
إن الاستماع والإصغاء إلى القصص واحد من الأمور المزروعة في جبّلة الإنسان منذ نعومة أظفاره وتستمر معه حتى آخر حياته، والسبب في ذلك كما تؤكد الدراسات علاقة الإنسان ورغبته في التعرف على مصير أبطال القصة، على اعتبار أن الإنسان يبحث بشكل لا إرادي عن أوجه شبه بين مصير أبطال القصة وحياته الشخصية، حيث من الممكن أن تتطابق بعض الحقائق المذكورة في القصة مع حياته الشخصية؟
وإذا رجعنا إلى الأدب الموجود بين جميع الأمم والشعوب لوجدنا أن هناك وجوداً للأساطير والقصص والحكايات فيها، وقليلاً ما نجد مجتمعاً لا يمتلك حكايات اجتماعية وبطولية ودينية في منقولاته الأدبية.
وهذا لا يعني عدم وجود مجموعات أو أشخاص لا ينظرون إلى القصة وكتابتها بعين الاستخفاف، بل هذه المجموعات أو الأشخاص كانوا موجودين على مَرّ التاريخ، ولكن الحقيقة غير ذلك، والجميع يعلم أن قصص وحكايات القرون الماضية قد تركت آثاراً عميقة على البشر، وهذا ما غفل عنه أصحاب النظريات المخالفة.
إن القصة تحاكي فطرة الإنسان، ولذلك نرى الطفل ينجذب إلى سماعها، وفي كثير من الحالات يطلب من والديه إخباره بقصة ما. وبالإضافة إلى كون القصة تحاكي الفطرة، فهي وسيلة تمكن الشخص من إيصال ما يريد إلى الآخرين بلغة سهلة وبسيطة.1
- القصة في الرؤية الدينية:2
لعل من أبرز الأعمال والدراسات التي بدأنا نشاهدها في الفترة الأخيرة والتي تتناول القرآن الكريم، دراسة إعجاز القرآن الكريم من حيثية ما يتمتع به من فن على مستوى كتابة القصة. ويمكن اعتبار كتابة القصة أهم فن يجري الحديث عنه في العالم المعاصر لما يتركه من آثار هامّة وكبيرة في الحياة الاجتماعية. واليوم يشعر البشر بمدى الحاجة إلى امتلاك ما يؤدي إلى وجود حياة روحية هادئة بعد الغوغاء والضوضاء الكبيرة التي أحدثتها الحياة المدنية الجديدة، فكانت القصّة إحدى الوسائل الناجعة في ذلك، وعلى هذا الأساس كان تطور القصة أحد أبرز السمات التي يمكن مشاهدتها في هذا العصر. وتشير بعض الدراسات الجديدة إلى أن التقدم الصناعي في الدول الغربية لم يتمكن من القضاء على تذوق القصة سواء لجهة القراءة أو الكتابة أو الإصغاء، لأن هذه المسألة ترتبط بشكل عميق مع الجوانب الروحية في حياة الإنسان.
صحيح أن بعض الشعوب وبعض الأشخاص يعتبرون القصة وسيلة للتسلية وللترفيه إلا أنه يجب الاعتراف أن القصة وسيلة أيضاً للتعليم، على أساس أن القصة تحتوي على نقاط تعليمية غير مباشرة. وهذا ما نشاهده في القرآن الكريم عندما تحدث عن القصص وأهميتها ودورها في هداية الناس وإصلاح سلوكهم: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾.3
وإذا دققنا بعض الشيء في الكتب السماوية لوجدنا الكثير من القصص التي يراد منها إيصال المفاهيم والمقاصد الدينية بلغة يفهمها الناس ويتأثرون بها، وهذا يضمن الهداية والإرشاد للمستمعين.
من جهة أخرى نرى أن القرآن الكريم نقل بعض القصص الأخرى حيث أراد استعمالها والاستفادة منها لإيصال مجموعة من الأمور من أبرزها التوحيد والوحي والرسالة والعدالة وإصلاح المجتمع و...
وما يميز القرآن الكريم عن سائر الكتب السماوية الأخرى أنه يتمتع بخصائص فنية وأدبية راقية، بحيث لو نظرنا إليه من وجهة نظر فن كتابة القصة لظننا بأن تلك القصص جاءت فقط لبيان الأهداف الفنية والأدبية للقرآن الكريم، والواقع غير ذلك، لأن القرآن الكريم قد استخدم الصناعات الأدبية كوسيلة لتحريك الوجدان الديني عند الناس، ومن الواضح أن جعل الناس يقبلون المفاهيم والتعاليم الدينية يتوقف على إيصالها لهم بلغة يفهمونها وتتناسب معهم.
وقد اهتم العلماء المسلمين منذ القدم بهذه الحقيقة وأدركوا مقدار الأثر الذي تتركه القصة على الناس، لذلك أوصوا الناس بمطالعة القصص والاستماع إليها.
بناءً على ما تقدم فإن لجوء العلماء إلى أسلوب القصة يجعلهم أكثر توفيقاً في الهداية والإرشاد. وقد ظهر العديد من المفسرين الذين بدأوا يقدمون القرآن الكريم بلغة قصصية سهلة وبسيطة.
وقد تحدث القرآن الكريم حول فلسفة قصص الأنبياء والماضين واعتبر أن ذلك يكمن في التفكير حول حالاتهم ومصيرهم: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.4
ويقول الإمام علي عليه السلام حول حياة المتقدمين: "تدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم".5
ويمكننا من خلال القصة أن نتحدث حول حياة الماضين بشكل جميل وجذّاب لنجعلهم مرآة تقتدي بها الأمم على مَرّ التاريخ. ثم إن القرآن الكريم يتحدث في مكان آخر حول الهدف من نقل قصص أنبياء الله تعالى فاعتبر أن ذلك سبباً لقوة القلب...: ﴿وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.6
صحيح أن للقصة أهمية خاصة في الإسلام إلا أنها ما زالت مجهولة لا يستفاد منها في أوساط المبلغين، يقول الإمام القائد دام ظله في هذا الخصوص: "مما يؤسف له أننا ما زلنا متأخرين على مستوى فن كتابة القصة في اللغة الفارسية، وهذا لا شك فيهإ وإذا دققنا في القصص الفارسية لوجدناها ما زالت غافلة ومتأخرة عن العديد من الأساليب الفنية، فلو تأخرنا وغفلنا عن فن السينما، فلا ضير في ذلك لأن هذا الفن مستورد أما فن القصة فليس بمستورد...".7
"إن وضع كتابة القصة ليس حسناً، أي أن تطورها كان بطيئاً، ونحن لم نشاهد وجود كتَّاب قصة مبدعين في إيران منذ القدم مع أن هذه الصنعة كانت موجودة منذ القدم".8
* مجلة مبلغان - بتصرّف
1- دراسة في التجليات الفنية للقصص القرآنية، ترجمة محمد حسين جعفر زاده، ج2، ص7.
2- المصدر نفسه، ترجمة موسى دانش، ج1، ص10 ـ 11.
3- سورة يوسف، الآية: 111.
4- سورة الأعراف، الآية: 176.
5- نهج البلاغة، الخطبة 192.
6- سورة هود، الآية: 120.
7- الموعظة الحسنة، ارشادات الإمام القائم في مجال التبليغ، ص111.
8- المصدر نفسه