بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

من المؤكد أنه لا يوجد منبر في العالم يمتلك من المؤثرية بكل ما يعضدها من فكر متين وعواطف إنسانية جياشة ومنهج يهدي إلى الحق والعدل كما يمتلكه المنبر الحسيني، وخصوصاً عند حلول موسم عاشوراء ومحرّم، حيث يتوافد إليه الناس كل عام وفي مختلف الأقطار الإسلامية ليغترفوا من معين ونبع أبي عبد الله الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. إن مشهد الملايين الزاحفة إلى كربلاء المقدسة، ومواكب اللطم في مختلف المدن، إضافة إلى التواجد الكثيف في مجالس العزاء لهو أبلغ دليل على عظمة ثورة الإمام الحسين عليه السلام، وما يمكن لمنبره أن يصنع في المجتمع. ولهذا كانت الكلمة المشهورة لمفجر الثورة الإسلامية في إيران الإمام روح الله الخميني قدس سره: "إن كل ما لدينا هو من عاشوراء" أبلغ تعبير على ما يمكن لهذه الثورة ولهذا المنبر أن يفعله في المجتمع.

ومع ذلك، حتى الآن لم يُستفد من هذا المنبر بشكل كاف، فهذا المنبر يحمل في وعائه المبارك الخير الجزيل والنور الكفيل بإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، وعلينا أن نعكف على معرفة كيف يمكن الاستفادة منه خير استفادة. وكل خطوة يقدمها باحث يجب أن لا تهمل، حيث يمكن أن تكون لبنة صغيرة في صرح مشكّل من آلاف اللبنات فيما لو تظافرت الجهود للوصول إلى ذلك.

فلسفة التبليغ:‏

التبليغ، إذا أردنا أن نمثل له، هو ككتابة الوصفة الطبية ليقوم المريض بصرفها. وبالتالي من الخطأ كتابة الوصفة قبل معاينة المريض. ومن الخطأ الاعتماد على الموجود في أذهاننا فنتحدث بما نعرف فقط. فهذا يعتبر خلافاً للأصول التبليغية. يجب على المبلغ أن يشخّص: ماذا يريدون منه وهل أن ما يريدونه معقول أو غير معقول؟ وهل ما يطلبونه يطابق حاجاتهم أو لا؟ وهل في وسع المبلغ القيام بذلك أم لا؟

وينبغي أن تتركز المطالب على الموجود في المجتمع، سواء كان المجتمع صغيراً كالعائلة أو كبيراً. وينبغي أيضاً أن تتناسب المطالب مع زمان ومكان وقدرة المخاطب على الفهم، ومع حاجة المستمع، وأهمية وضرورة المطلب.

والخلاصة هي: ينبغي أن يتحرك المبلغ ضمن خطة مدروسة، ومعرفة عميقة بمشاكل واحتياجات مجتمعه، ولم يعد طرح العناوين من دون دراسة مسبقة مجدياً، خصوصاً مع التعقيد الذي طرأ على مجتمعاتنا الإسلامية بسبب الثقافات الوافدة إليها وانفتاح الفضاء الاجتماعي على وسائل الاتصال الحديثة.

هذا مع التأكيد أن الذي يترك آثاراً هامة على المجتمع بشكل أكيد هو عمل المبلغ بما يقول، ولذلك كانت توصيات أهل البيت عليهم السلام بهذا الشأن واضحة، حيث ورد عنهم: (كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم.¹

وهنا بعض المضامين التي ينبغي الاعتناء بها عند التبليغ:

1- المضامين التي تتمحور حول القرآن وتفسيره (خصوصاً أننا بتنا في زمن ابتعد فيه أكثر أهله عن قراءة القرآن والاعتناء بمضامينه).
2- العقائد وبالأخص بحث المعاد، لأن سدس القرآن يتمحور حول المعاد، وبحث الإمامة (مع التقصي عن أهم الاشكالات التي تغزو أذهان الشباب من خلال الفضاء المعلوماتي الهائل الذي يحيط بهم).
3- الأخلاق (مع التركيز على كيفية معالجة المفرزات الانحرافية الجديدة)
4 - الأحكام والمسائل المبتلى بها والأمور الفقهية الجديدة.
5 - الإجابة على الشبهات في مختلف الميادين.
6 - الصلاة، التي كان الأئمة (عليهم السلام) يوصون بها حتى في آخر لحظات حياتهم.
7 - المسائل العائلية والاجتماعية.
8 - المسائل الاقتصادية.
9 - البحث حول الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) حيث إن معرفة إمام الزمان من الضروريات.
11 - المسائل العامة التي تساهم في زيادة الوعي.
12- ذكر مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وربط المجتمع دائماً بخصالهم وفضائلهم.
13- توضيح الأدعية، وشرحها وبالأخص الصحيفة السجادية.
14- دوام الاستشهاد والاستعانة بنصوص نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه السلام ورسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام
15- توضيح وتحليل تاريخ الإسلام بالاستفادة من المصادر المعروفة والموثوقة.

وختاماً نقول يجب الامتناع عن طرح الشبهات والإشكالات من دون الإجابة عليها، أو تقديم إجابات ناقصة وغير مقنعة.

* مجلة المحراب- فرع الإعداد

^{1- أصول الكافي، ج 2، باب الورع، حديث 9، ص 77}