بسم الله الرحمن الرحيم
فيما ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في وصيته لولده الإمام الحسن عليه السلام أنه قال: "واجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين الناس فما رضيته لها فارضه لهم...".
ولعل كلمة ميزان أخذت الذهن إلى صورة ثانية متعلقة بالوزن وهي ما تحدث عنه الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾.
فالآيات تتحدث عن الوزن والكيل بالمعنى المادي المتعارف في البيوع والتجارات، إلا أن هذا المعنى من التطفيف هو أبسط وأجلى معاني ومصاديق التطفيف إذا ما عطفنا الرواية الآنفة الذكر على هذه الآيات، فالتطفيف يمكن أن يكون من جملة مصاديقه ما يتعلق بالحقوق في المجتمع ولنا أن نتساءل ونسأل أليس من يطلب في علاقته الزوجية (ذكراً كان أو أنثى) من شريكه إيفاءه كل حقوقه وعلى الآخر أداء تمام ما عليه له وإذا كان الدور عليهم لا يفون بحق ولا يتمون واجباً لشريكهم عليهم أليس هذا مطففاً... أوليس من المطففين الذين في علاقاتهم بأبنائهم يريدونهم أن يعاملوهم بكل أدب واحترام فيما هم لا يؤدون ما عليهم لآبائهم لا في الحقوق ولا في الآداب.
ولعل من المطففين من يتطلب من الناس أداباً ولياقات في استضافته وخطابه ما لا يبادلهم به من اللياقات والآداب والخطاب متذرعاً بالشأنيات والمقامات وغير ذلك...
وفي علاقات العمل والعلاقات الإنسانية يبرز تساؤل آخر وهو هل يعد من المطففين من كان في عمله أو معاملاته أو غيرها على درجة بالغة من الحساسية اتجاه أي كلمة في عملية تقويم الآخرين عملياً أو علاقاتياً أو اجتماعياً ويزين كلماته بمثاقيل أين منها مثاقيل الذهب والماس وربما أنقصهم حقهم في التقدير مدعياً الاحتياط في ذلك، فإن كانت النوبة عليه لم يرضى منهم إلا أن "يتوصوا" به ويثقلوا حصته من التنويه بصفاته وأعماله وخبرته ودرايته وكفاءاته!!!
وبعد...
إن في معاملاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية والعملية بل وفي سلوكياتنا الكثير مما يصدق عليه عنوان التطفيف وإن يكن مما لا يوزن ولا يكال في الدنيا لكن لا شك أن له وزناً ومثاقيل في الآخرة... فنرجو الله تعالى أن لا يعدَّنا منهم ويوفقنا لاصلاح أنفسنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين