بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في سورة آل عمران الآيتين 118و119: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾1.
من الواضح أن الله تعالى في هذه الآية لا يتحدث مع المسلمين عامة وإنما مع فئة خاصة هم المؤمنون، إذ ينهاهم عن اتخاذ بطانة، والبطانة مأخوذة من بطانة الثوب، فبطانة الرجل خاصة المطلع على سره لقرب البطانة من الجسد.
وعلل تعالى ذلك النهي بأنهم قوم متتبعون لنقاط الضعف من حيث كونهم لا يقصرون في كل أمر يؤدي إلى اضعاف جبهة المؤمنين وادخال المشقة عليهم ويفضي بالنهاية إلى فساد أمر الأمة المؤمنة وليكشف المولى عزَّ وجلَّ عن مكنونات صدور هؤلاء بأنها مملوءة غيظاً وأن ما ظهر على ألسنتهم غيض من فيض حقيقة عداوتهم.
جاء في مجمع البيان أنّها نزلت في رجال من المسلمين كانوا يواصلون رجالاً من اليهود، وقيل نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصادقون المنافقين ويخالطونهم.
وعليه فأي فئة سواء كانت كافرة أو مشركة من أهل الكتاب أو من غيرهم حتى لو أظهرت الإسلام... إن كان واقعها أنها جماعة أو فئة أو دولة أو أجهزة تعمل على تتبع نقاط الضعف لكشفها للعدو أو للعمل عليها لزيادة مشقة الفئة المؤمنة والمجاهدة بالخصوص وكل فئة تعمل على البحث عمّا يؤدي كشفه إلى هزيمة المجاهدين أو زيادة معاناتهم ومشقتهم لا يجوز اتخاذهم بطانة بمعنى تقريبهم من المجاهدين...
وعلامة هؤلاء أظهرها تعالى بقوله: ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾2، فسبحان الله... كأن هذه الآيات نزلت بالأمس... بل كأنها نزلت الساعة...
1- سورة آل عمران – آية 118 و 119
2- سورة آل عمران – آية 120