بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ...﴾، آية تفتح باب الأمل برحمة الله التي كتبها على نفسه في معاملتنا بني البشر حتى وسعت كل شيء وبها ﴿وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ...﴾
فلو سمحنا لأنفسنا بأن نتصور لو أن المولى جعل لفسادنا تمام أثره في نظام الكون فكان هذا النظام صورة عنا وعن أعمالنا كيلاً بكيل ووزناً بوزن...
ولنتصور لو أنه تعالى أخذنا بنكثنا بالعهود والوعود فجعل صورته أن تخلف الأزمنة والأمكنة والموجودات مواعيدها... فلم تفِ سماء بمطر في شتاء ولا أرض بزرع ولم تصدق شمس بمشرق أو مغرب...
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا...﴾.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا﴾.
ولو أن الهواء والريح والأرض والنجوم وقمر السماء ودواب الأرض وشجرها ونباتها تلونت ولم تثبت على حال كما هو حال غالب الناس فغدرت أو خانت أو خدعت... فلم تف بطعم ولا لون ولا رائحة...فغدا حلوها تارة حامضاً وأخرى مراً وحيناً مزّاً وربما مالحاً وصار عذبها أجاجاً...
فهل كان ثمة حياة أو علم... هذا من جهة الوفاء بالوعد والعهد فما بالنا بالخيانة والغدر والنسيان واللهو والوحشية والاجرام وغيرها... فمع قليل المؤاخذة ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس﴾ فكيف سيكون مع عدل المؤاخذة ولا اقول كثيرها...
فللَّه الحمد الذي لولا أنه نهانا عن اليأس والقنوط ليئسنا ولقنطنا... وله الحمد لأنه تكرم فأخذ على نفسه أن يعطينا أكثر مما نستحق على الصلاح ولم يؤاخذنا بما نستحق على الفساد وهو القائل: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًاً...﴾ وله الحمد على طول أناته التي فتحت باب الأمل واسعاً للإصلاح ولولا هذا الأمل لخاب وبطل العمل...
والحمد لله رب العالمين