بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرا ما ركز القرآن الكريم على وحدة اتباع الرسالات ولو تعددت، وتعددت الاساليب والمراحل، إلا أن هناك وحدة خلف كل هذا التعدد من حيث النموذج الرسالي، ومن حيث الشخصية الرسالية، ومن حيث وحدة الهدف الذي يسعون إليه، وقد أمر الله تعالى بعدم التفرقة بين الرسل حيث قال: ﴿قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾1.
وفي هذا إشعار للمؤمنين بوحدة مسيرة النبوات. لكن ثمة أمراً آخر ملازم لهذه الالفاتات القرآنية وهي ضرورة الاستفادة من تراكم التجارب التي نتجت خوض الرساليين معترك المواجهة مع الباطل وأنصاره وجنوده، فعلى الأمر الأول وهو وحدة المسيرة الرسالية على المؤمنين والعاملين أن لا يشعروا بالوحدة أو بأنهم طارئون بل إنهم بحركتهم مرافقون لمسيرة البشرية، فموكب النور هذا ممتد في الزمان.
وفي البعد الثاني لابد من الاستفادة من التجارب ومراكمة الخبرات جراء ذلك، فمن الأخطاء الجسام البدء بالعمل دون النظر الى التجارب والاستفادة منها، ومن الخطأ كذلك أن ننظر إلى أعمال الماضين وما جربوه بحين الازدراء والاحتقار والسخط.
وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يدعو مالكا الاشتر إلى الاستفادة من التجارب الماضية والبناء عليها حيث قال في عهده له: "ولا تنقض سنة صالحة عمل بها حدود هذه الأمة واجتمعت بها الإلفة وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي تلك السنن..."2.
1-البقرة:136.
2- نهج البلاغة، أمير المؤمنين عليه السلام/ عهده إلى مالك الأشتر لما ولاه على مصر.