بسم الله الرحمن الرحيم
من الأمراض التي حدثنا عنها القرآن الكريم في أكثر من موقع العجب والغرور والتكبّر،
ولعلها مرتبطة ببعضها، فالعجب يوصل إلى الغرور، والغرور يفضي إلى التكبر، وأهم
بواعث ذلك هو ما قد يراه في يديه من الأسباب، أو ما يحققه من نجاحات وما يحقق من
آمال وأغراض؛ وقد حدثنا القرآن عن أحد المغترين وهو قارون ومقولته "إنما
أوتيته على علم عندي".
لكن هذا المرض لا يصيب فقط أهل الكفر والانحراف والفسق، بل إن ذلك قد يصيب العاملين
في طريق الرسالة الاسلامية والحاملين لهذه الرسالة، والدعاة إلى الدين، ولعل
الشيطان أكثر ما يستهدف بهذا السهم المسموم قلوب المؤمنين وخصوصاً المبلغين؛ فقد
ورد أن النبي موسى بن عمران عليه السلام سأل الشيطان قائلاً: أخبرني بالذنب الذي
إذا ارتكبه ابن آدم استحوذت عليه، قال: "إذا أعجبته نفسه،
واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه"1.
ذلك أن الإنسان لا سيما المبلغ إذا اغتر بأعماله الصالحة ونجاحاته وعلمه وجعل ذلك
وسيلة للتفاخر والمباهاة، سيفقد التوفيق إما بعدم المؤثرية والنجاح، وإما بإحباط
الأجر. فكل من يغتر سيفشل لا محالة، فالنجاح كمثل ارتقاء القمم يحتاج إلى ثبات
القدم وإلا إذا زلت الأقدام فالهاوية هي المستقر.
ولذا قال تعالى في سورة النصر للمؤمنين عبر خطابه للنبي صلى الله عليه وآله:
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ
اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ
تَوَّابًا
﴾.
سبح بحمد ربك تدارك من الله لعصبة المؤمنين المنتصرين حتى لا تأخذهم الغفلة عن صاحب
النعمة هذه وهو الله، وأما "استغفره": لعله مما يكون قد تسلل إلى النفوس من غرور
بالقدرة والقوة فالنجاح. فعلى المؤمن العامل والعالم أن يرى أن النجاح في أي عمل من
الأعمال الصالحة هو من فضل الله وتوفيقاته وعناياته وخفي ألطافه.
1- الكافي، الكليني.