لقد كان فيما يعيبه المكذبون بالنبوات والرسالات والأنبياء والرسل أنّ من كان يبادر إلى قبول دعوتهم هم الفقراء، والمستضعفون وذوو المرتبة المتدنية في المجتمع ونقل الكتاب العزيز ذلك عنهم: ﴿... وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾.
وبمطالعة تاريخ الأنبياء عليهم السلام نجد أن أول من يقبل دعوة الأنبياء وينقاد لهم ويصدقهم ويتبعهم هم الفقراء والمستضعفون والمضطهدون، بل إنّ كثيراً من الأنبياء كانت لديهم إضافة إلى قضية الإيمان والتوحيد قضايا أخرى تتعلق بنصرة المظلوم ونشر العدل ورفع المعاناة عن ذوي الحاجة، وهذا جلي في موسى عليه السلام والنبي عيسى والنبي محمد صلى الله عليه واله.
ونجد كذلك في هذا التاريخ أنّ الفئة المعارضة والمكذبة والرافضة للأنبياء والرسالات هم المترفون، الذين كانوا إضافة إلى رفضهم يعادون الأنبياء ويجهزون الجيوش للحرب على الأنبياء والمؤمنين وهذه سنة أقرها القرآن حيث قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُون﴾ فالمترفون على طول مسيرة النبوات كانوا في الجهة المعارضة والمعادية والمحاربة للخط الرسالي. وكانوا غالباً ما يحاولون في حربهم ابعاد الأنبياء عن جماهيرهم وأنصارهم ويشترطون عليهم لقبول دعوتهم أن يطردوا الحفاة والفقراء والمساكين من حولهم.
وقد حذر الله رسوله صلى الله عليه واله من الركون إلى هؤلاء ومداهنتهم وفي لهجة فيها الكثير من التهديد والوعيد. وإذا كان حسب ما نعتقده جزماً أن رسولنا صلى الله عليه واله ليس ممن يهادن أو يداهن أو يساوم بل هو مثال الاستقامة والثبات الذي ضحى بكل غال ونفيس وتحمل كل معاناة وأثبت فعلاً مقولته بأنه لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره لن يترك أمر هذا الدين حتى يظهره الله، نفهم أن المراد من هذا التحذير هم ورثة المهمة النبوية والكلام جارٍ على مبدأ إياك أعني واسمعي يا جارة، فالمقصود هم الذين يقومون بمهام تبليغ الدين ونشر علومه وبث تعاليمه. الذين عليهم الحذر من السقوط في شراك المترفين ومداهنتهم على حساب دينهم. والأهم ليس أن لا يسقطوا في شراكهم بل أن لا يصبحوا منهم كما يروى في قصة عيسى عليه السلام وأحبار الهيكل.