قال تعالى في سورة الرحمن:
﴿يَسْأَلُهُ
مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾.
جاءت هذه الآية بعد أن أخبر تعالى بصورة الجزم:
﴿كُلُّ
مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾.
فالمستفاد من ذلك أمور:
1- الظاهر أن الكلام هو أن كل من على الأرض
آيلٌ للفناء، والبقاء لله وحده، وليس فقط في نهاية العالم بل إن الكائنات تحمل في
كل نواحي وجودها عناصر فنائها فلذا يكون بقاؤها واستمرارها بمشيئة الله وبمدد منه،
ولو أعرض بلطفه عنها فستتلاشى الموجودات والكون.
2- وبناءً على ذلك فإنه إن كانت أسباب البقاء
مِن الذي هو باقٍ دائم لا يعتري وجوده أفول، كان هو الذي يطلبه كل عالم الكائنات من
أهل السموات والأرض ويسألونه أن يعطيهم ما به بقاؤهم وهناؤهم وسعادتهم ودفع ما به
شقاؤهم ومضرتهم.
3- كون يسأله بصيغة المضارع دليل على دوام
السؤال وقوله تعالى:
﴿كُلَّ
يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾
دليل على استمراره وسنّته مع خلقه بدوام الإجابة وقضاء الحوائج. فالخلق في حالة
احتياج دائم لذاته المقدّسة، وهو في حالة دائمة من الاستجابة والعناية.
4- إن استخدام "مَنْ" في قوله تعالى:
﴿يَسْأَلُهُ مَن
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
مع "كل" في الآية السابقة يفيد أمرين: الأول: أن الفقر والاحتياج هو حقيقة
المخلوقية كائناً من يكون المخلوق إنساً، أو جاناً، أو مَلِكاً أو غير ذلك. والثاني:
أنَّّ المخلوقات العاقلة المدركة لهذه الحقيقة لا تنفك تسلك إلى قضاء حوائجها ورفع
غوائل افتقارها سبيلَ السؤآل والدعاء، وهذا معناه أن الدعاء هو عبادة يقوم بها كلّ
عاقل من الخلق، وفي القرآن آياتٌ تذكر بعضاً من أدعية الملائكة.
والحمد لله رب العالمين