قال تعالى عن فرعون وأسلوبه في السيطرة على شعبه: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾1.
وهذا هو الأسلوب الذي يتبعه كل طاغٍّ وجبّار، وتتبعه الحكومات والأحزاب والحركات والمنظمات السياسية الفاسدة؛ فكما أن فرعون لم يكن جاهلاً بحقيقة الدعوة الموسوية وحقانيتها والقيم التي تحملها فكذلك طواغيت هذا الزمان وفاسدوه ليسوا بجاهلين ولا غافلين، وإنما يتوسلون أسلوب الإبقاء على الناس في مستويات متردية من الثقافة والفكر، ويسعون بشتى الأساليب من فن ورياضة وأزياء وأفلام وصرعات وحتى الخمر والمخدرات لتبقى الجماهير غارقة في غفلتها، عمياء عن الواقع، بعيدةً عن الحقائق؛ لأن أخطر ما يهدد هيمنة هؤلاء الجبابرة هو يقظة الشعوب وتنامي وعيها.
وقد تطور طواغيت هذا الزمان أكثر من فرعون، حيث لم يكن يملك هذا الأخير إلا بعض الوسائل البدائية لترويج بضاعته المخدِّرة والمُسِمّة، بينما فراعنة هذا الزمن قد تطوروا بدرجة كبيرة، حيث استطاعوا لأجل دوام سلطانهم أن يخترعوا مجموعة من القيم الزائفة والمنحطة، ونستطيع القول أنها كاذبة أو على الأقل مموهة بدلاً من القيم الحقة والصادقة والصحيحة، إضافة إلى تطوير أساليب ترويج بضاعتهم تلك من فنون ورياضة وغيرهما. فضلاً عن وسائل وأدوات نشر هذه الأضاليل من وسائل اتصال وإعلام متطورة جداً مما يجعلهم قادرين على اجراء عمليات غسل دائمة لعقول الشعوب.
من هنا تظهر المسؤوليات الملقاة على عاتق أهل الفكر والعلم ولا سيما ورثة الأنبياء في مواجهة برامج استخفاف العقول، واستحماق الشعوب. مع الإلتفات إلى ما الفتت إليه الآيات عن علة تجاوب الشعب مع استخفاف فرعون بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ فالمشكلة لا تكمن فقط في استخفاف الحكام لتكون المواجهة ببناء الوعي، بل ثمة نقطة ضعف أسقطت الشعب في شراك الظالم وهي كونهم فاسقين وبالتالي فالمسألة ليست جهلاً فقط ولا استخفافاً فقط وإنما ثمة انحرافات سلوكية لا بد من تقويمها ليتم النجاح في بناء مناعة الشعوب ضدَّ الإستخفاف.
1-الزخرف:54