متى العيد؟ أو "أي متى العيد؟!" سؤال يتردد في أواخر أيام الشهر الفضيل ويتكرر كل
عام! وقد يتبادر من هذا الكلام أني أريد الغوص في الإجابة فقهياً أو فلكياً أو غير
ذلك.
إلا أن ما أريده بالسؤال هو أمر آخر وهو استكشاف الحقيقة ما وراء جعل العيد عيداً.
وفي القرآن الكريم قصة طلب الحواريين من نبي الله عيسى في أن يطلب إلى الله أن ينزل
عليهم مائدة، وقد برروا ذلك
﴿قَالُواْ نُرِيدُ أَن
نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا
وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾1 فمطلوبهم أن يتذوقوا من مأدبة
إلهية لتطمئن بذلك النفوس وليبلغوا ذلك للناس عن حس ومعايشة.
فاستجاب لهم النبي ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ
رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً
لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ﴾2.
فالمائدة الإلهية معجزة اختص بها الله الحواريين ولذا رتب على ذلك النبي عيسى أن
يجعل زمن نزول تلك المائدة عيداً لكل الأمة وعلى طول الزمن. وأما نحن المسلمين فإن
الله قد أنزل إلينا القرآن مأدبة ومائدة الأرواح والقلوب والعقول. هذا الكتاب الذي
يتجاوز اعجازه الزمان والمكان والذي هو شفاء الصدور مأدبة العلم ودواء لكل داء أولى
أن يجعل مناسبة نزوله عيداً.
والله تعالى لم يدعنا نتجشم عناء ذلك فأمرنا بمراسم خاصة بمناسبة نزول القرآن فقال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ... إلى أن ينتهي إلى القول... شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ﴾ والمفارقة أن آية الحواريين أن يأكلوا من مأدبة الله...
وأما مأدبة الله العظمى للأرواح والنفوس من مراسم تحملها وتقبلها اجاعة البطون
والأكباد لتتوجه النفوس إلى تناول مأدبة الكريم دون مزاحمات أو مشوشات.
وبالتالي وبعد ما ورد في دعاء وداع الشهر الشريف عن الإمام زين العابدين عليه
السلام بأن شهر رمضان هو عيد أولياء الله... هل يصح السؤال متى العيد هل؟ هو أوائل
شوال أم أن شهر رمضان هو العيد حق العيد.
1- سورة المائدة، الآية: 113.
2- سورة المائدة، الآية: 114.