قال تعالى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ
إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا
يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾1.
تتحدث الآية عن أن ثمّة نوعاً من الناس ممن يبتلون بغرض تنبيههم، ثم إذا رفع الله
البلاء عنهم فبدل الإنتباه والإستيقاظ ليرجعوا إلى الصواب يذهبون في تفسير الآيات
الإلهية تفاسير ككونها من باب الصدفة المحض أو ينسبونها إلى بعض آلهتهم أو إلى غير
ذلك، المهم أنهم يصرفونها عن المدبّر الحقيقي وهو الله، وقد عبر تعالى عن ذلك بقوله:
﴿إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾ حيث يعملون أفكارهم لتوجيه الآيات الإلهية
التي دفعت البلاءات توجيهات خاطئة وهذه من طرق تهرب الكافرين من الإذعان والإقرار
عند مواجهة الآيات الإلهية.
لكن الله يحذرهم عبر نبيّه حيث قال:
﴿قل الله أسرع مكراً﴾، فالمكر في الأصل هو كل
تخطيط اقترن بالعمل المخفي، وليس معناه التخطيط الشيطاني كما هو مفهومٌ في هذه
الأيام، فمصداق المكر الإلهي في هذه الآية ربما تكون العقوبات الإلهية التي يسير
الكافرون والمعاندون باتجاهها حيث تكون خافية عنهم وتحل بهم بدون مقدمات محسوسة لهم،
أو يكونون غافلين عن هذه المقدمات؛ وقد يكون عقاب الله لبعض الأقوام بأيديهم؛ وربما
يكون المعنى للمكر الإلهي هو ما ذكرته الآية وهو أنّ الذي يعمل السوء إنما بعود
عليه إما من جهة أنّه فوَّت المصلحة وازهق الفائدة من ما حصل له من البلاء وما حصل
من آيات الله لصرفه عنه، ومن جهة ثمة أمر غفل عنه هذا المعاند وهو أن من يعامله
بالمكر هو القادر والأقوى على الإطلاق والأسباب طيِّعة لإرادته وحينها سيكون تخطيطه
(عزَّ وجلَّ) أقوى وأحكم وعقوباته أشد إيلاماً وحينها خططه أسرع لأن إرادته أمضى،
وأيضاً لو أراد انزال عقوبة وأرادها مباشرة ستكون مباشرة وأما الآخرون فليسوا كذلك،
وأخيراً فإن هذا المكر وهذه الخطط من الكافرين والمعاندين لن تنسى
﴿إِنَّ رُسُلَنَا
يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ فتهيأوا إن استطعتم للجواب ثم تهيأوا إن استطعتم
للعقاب.
1- سورة يونس، الآية: 21.