من مناسك الحج التي رسمها المولى تعالى رجم الجمار في منى، والتي ترمز إلى الشيطان حيث يعزى وجودها إلى ظهوره في هذه المواطن الثلاثة للنبي إبراهيم عليه السلام لثنيه عن امتثال الأمر الإلهي بذبح ولده إسماعيل عليه السلام ، فكان أن رماه إبراهيم بسبع حصيات في كل مرة.
ولنا بالتأمل أن نستوحي من هذه الحادثة أموراً منها:
1 ـ عدم الغفلة عن العداء للشيطان الرجيم:
فإبراهيم عليه السلام واجه عدوَّ الله وعدوَّه وعدوّ البشرية وعدوَّ آدم أبيها بما تستحقّه وهو العداوة والمواجهة بالرجم؛ منفذاً وصية الله لبني آدم: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّا﴾ً 1.
وبذلك يذكِّر الله الحجيج أن لا يغفلوا عن عداوة هذا الخبيث مهما تقادمت الأيام وتطاولت الأزمان؛ فعداوة الشيطان هي من لدن آدم وستبقى إلى آخر بشري، وهو عدونا معاشر بني آدم أفراداً وجماعات، وعلينا أن نتخذه عدواً بمعنى أن نواجهه ونقاومه ونعد لذلك العدة.
2 ـ ترتيب الأولويات:
إن الحجيج الآتين من كل فج عميق ولو أن لكل منهم مشاكله وهمومه على الأصعدة كافة فردية أو حتى على صعيد الجماعة، فلعل في الرجم إشارة ترمز إلى ترتيب الأولويات بتقدير الأهمية والخطورة، وأهم الأولويات هي مواجهة من كانت عداوته أشد وأخطر من شياطين الإنس كما شياطين الجن الذين يمثلون الأعداء الحقيقيين للبشرية وبالأخص للمسلمين فعليهم أن يلتفتوا إلى عداوة هؤلاء بدل الانشغال بالإختلافات والخلافات المناطقية والعرقيّة وحتى المذهبية.
3 ـ التحصين ضد الشياطين:
ثمة إشارة غير خافية إلى أن الشياطين من الإنس والجن إنما يكون لهم سلطان علينا أفراداً وأمة بقدر ما في أنفسنا وما فينا من نقاط ضعف وفجوات يتسللون منها لإستدراجنا إلى شباكهم وأشراكهم، وبالتالي فالرجم لا يبعدهم عنا إلا بمقدار الحصانة والمناعة اتجاه أحابيلهم وأساليبهم، فعلينا أن نبني أجهزة المناعة العقائدية والأخلاقية والسلوكية والعاطفية حتى لا يجد الشيطان وأعوانه منافذ إلى أنفسنا ومجتمعاتنا، فإبراهيم عليه السلام بعد أن قطع هذه المرحلة ذهب ليذبح ولده إسماعيل، مكسراً بذلك قيود الأسر المتمثلة بالعاطفة والمحبة الأبوية لولده الذي كان استجابة إلهية لأمنيته ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ2﴾ فنجح في الإمتحان بأن أخلص الحب لله، فعلينا تأسياً به أن نردم الفجوات في أنفسنا قبل رجم شياطيننا.
1-فاطر:6
2-الصافات:101