قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾1.
الآيتان تتحدثان عن المنافقين الذين أخذوا يتعللون لعدم الخروج مع النبي صلى الله عليه واله وسلم في غزوة تبوك طالبين الإذن من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
ومع ذلك فإن مدلولهما مع ما قبلهما وما بعدهما لا يختص بزمان النبي صلى الله عليه واله وسلم ففي كل عصر وربما في كل مصر هناك جماعة من أهل الشكّ والريب والنفاق الذين سيرتهم لا تختلف عن منافقي عصر النبي صلى الله عليه واله وسلم.
وما يستفاد من الآيتين ما يلي:
1ـ إن مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر إيماناً حقاً أن يستجيب الإنسان المؤمن لداعي الجهاد بالمال والنفس.
ومقتضى ضعفه وعدم اليقين والتخبط في الشك توسل الأعذار للهروب من المسؤوليات الجهادية.
2 ـ إن معنى الإنبعاث سرعة الانطلاق في الأمر، والمقصود هنا ما يتعلق بالجهاد، بينما معنى التثبيط التوقف عن الأمر بالتزهيد فيه، وقد نسب الله تزهيد هؤلاء بالخروج للجهاد إليه مُعَلِّلاً ذلك بأنه تعالى كره خروجهم إلى ساحات الشرف ساحات الجهاد بل ترقّى ليجعل قعودهم بأمر تكويني منه تعالى. ﴿وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾.
3 ـ صحيح أنه تعالى علّل ذلك ابتداءً بعدم كونهم جديين ولا صادقين في تعاملهم مع نداء الجهاد النبوي؛ إلا أن ثمة أموراً أخرى لها علاقة بنتائج وآثار خروجهم وهي أنهم إن خرجوا مع المجاهدين بتلك الروحية الفاسدة سوف يبثون الفرقة ويحدثون الإضطراب بما يؤدي إلى خلخلة صفوف المجاهدين.
وعليه فإن قوله تعالى ﴿وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً﴾ درس لنا ولكل مؤمن على طول الزمن وهو أن من يؤمن فعلاً بالله واليوم الآخر عليه أن يعدّ للجهاد عدته ومن أوائلها الأمور الإيمان بالله واليوم الآخر.
1- التوبة: 45 ـ 46.