إن المجموعات البشرية الفاعلة في التاريخ صغيرة كانت أو كبيرة، إذا ما أرادت أن
تجعل مبتدأً للتأريخ تتخذ يوماً مجيداً من أيام مجدها لتجعله بداية لهذا التاريخ
ومفتتحاً له لبركته وأثره في الإضاءة والتذكير بأمجادها وعطاءاتها للإنسانية، فمثلاً
نجد المسيحيين قد اتخذوا بداية التأريخ السنة التي شهدت ولادة روح الله النبي عيسى
عليه السلام فكان التقويم ميلادياً نسبة إلى هذه الولادة الميمونة والمباركة، بل إن
بعض فرقهم جعل بداية العام أقرب ما يكون إلى ما يرونه زمان ولادته عليه السلام.
ولم يشذ المسلمون عن هذه القاعدة فقد انتخبوا هجرة الرسول الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم بداية لتأريخهم بالرغم من وجود أحداث مجيدة أخرى جرت قبل الهجرة وبعدها
ومنها لا حصراً ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويوم المبعث وفتح مكة؛
إلا أن الاختيار كان بالإعراض عن كل تلك المناسبات رغم عظمتها وبركتها.
ويروي المؤرخون أن المسلمين بدأوا يفكرون بتعيين بداية لتأريخهم الذي له ما له من
الأهمية والشأن زمن الخليفة الثاني بعد أن ظهر الإسلام، وتوسعت رقعة انتشاره، وبعد
بحث ومداولات استصوبوا رأي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام القاضي باتخاذ حادثة
الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى يثرب بداية للتأريخ الإسلامي ومبدأً لأعوامهم
فكانت السنة الهجرية.
وهذا الإختيار المسدد يكشف عن أن الهجرة كانت أهم ما حصل من حوادث تتلائم مع بداية
التأريخ وبدايات الأعوام لأنها كانت افتتاحاً لفصلٍ جديد ومهم في حياة المسلمين،
أسست لكل ما تلاها من فتوحات على كل الصعد المادية والمعنوية، مستثمرةً كل ما سبقها
من أحداث.
فلقد كانت الهجرة بحقيقتها إيذاناً بولادة أمة رائدة تقود البشرية نحو ولادتها
الجديدة.
والحمد لله رب العالمين