قال تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ
بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾1.
في الآيتين المذكورتين آنفاً وما سبقهما إستفادات كثيرة ذات أبعاد مختلفة، عبادية،
واجتماعية وغيرها يحسن الوقوف عندها، ومن هذه الاستفادات:
1- إنّ العمل بكل أنواعه ومصاديقه النفسية أو الخارجية هو ثمرة من ثمار وجودنا كبشر
وهو في معرض الفناء والإندثارِ، ولكن في عين الوقت له فرصة البقاء والدوام،
وللإنسان حرية إنقاذ عمله الموسوم بالصلاح من الفناء بقرنه بما ومن له البقاء
وبعبارة أخرى تعالوا نرى أعمالنا كأنها ذخائر نفيسة علينا أن نستودعها عند من لا
تضيع عنده الودائع؛ وذلك من خلال إعطائه الصبغة الإلهية ليصير عند الله( وَمَا عِندَ
اللهِ بَاقٍ).
2- في الآية وعد إلهي جميل للمؤمنين والمؤمنات ولكن بصورة أخصّ، فيها بشرى للمؤمنات
بقبول إيمانهنّ وعملهنّ، فالإسلام ليس ديناً يختص بالرجال فحسب بل للنساء فيه بقدر
ما للرجال، فكما أن الحياة الطيبة جزاء الرجل الذي يعمل عملاً صالحاً بشرط الإيمان
كذلك المرأة. فلا تفاوت ولا تفاضل بين الرجل والمرأة بسبب اختلاف الجنس، وإنما إن
كان ثمة تفاوت ومفاضلة فهو ناتج عن التفاوت في الأعمال والنية الصادرة عنها.
3- إن العمل الصالح الذي يعني كل ما هو مفيد وبنَّاء وايجابي في أي مجال من مجالات
الحياة، اشترط الله تعالى فيه الإيمان، ومعنى ذلك أن على الإنسان في مقام العمل
احراز الباعث الإيماني ليكون بمثابة المعين الذي يمد الأعمال بأسباب الدوام
والمؤثرية، ولا يخفى أن هناك علاقة عكسية يغدو فيها العمل الصالح مثبتاً للإيمان في
النفوس ومُقوياً له.
4- بالنسبة إلى الحياة الطيبة ذكر المفسرون لها معاني مختلفة، فقسم ذهَبَ إلى أنها
في الجنة، وآخرون إلى أنها في البرزخ، ومنهم ذكر أنها في الدنيا، ومع ملاحظة قوله
تعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ حيث إن ارتباط الجزاء هو بالآخرة، يضاف إليها ما
ورد من أن أمير المؤمنين عليه السلام عندما سئل عن قوله تعالى:
﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً
طَيِّبَةً﴾ قال: "هي القناعة فيكون محلها الدنيا"2.
فالمستفاد أن العمل الصالح الصادر عن الإيمان يلائم ما بنيت عليه النفوس على أنه
يؤدي إلى القضاء على أسباب الإضطراب والقلق لتحل محلها الطمأنينة والسكينة، وفيها
وجه اجتماعي حيث إن المجتمع البشري إذا التزم أبناؤه العملَ الصالح مع الإيمان يوهب
الحياة الهادئة والهانئة.
والحمد لله رب العالمين
1- سورة النحل،
الآيتان: 96 ـ 97.
2- نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 299.