ومن حِكَم الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة قوله عليه السلام: "العلم
وراثة كريمة، والآداب حلل مجدِّدة، والفكر مرآة صافية"1.
تتحدث هذه الحكمة عن ثلاثة أمور من كرائم ما يتحلى به الإنسان، نقف في هذه العجالة
أولاً عند أولها وهي كون العلم وراثة كريمة.
حيث لا خلاف في أن العلم هو من أشرف الكمالات التي يحملها الإنسان ويسعى في تحصيلها،
والعلم كالرزق لم يمنعه الله عن من يسعى جاداً في طلبه باذلاً ما يستحقه من جهد
وتعب، وكدٍّ وسهر، وسعي وسفر، وغير ذلك، نعم ثمة نوع من العلوم والمعارف يمكن وصفها
بأنها مقدسة كالجواهر النفيسة لا تلائم إلا النفوس الطاهرة المؤمنة، كما جاء في
الرواية: "ليس العلم بكثرة التعلم وإنما العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من
عباده الصالحين"2 وهذا العلم هو العلم الموهوب من الله تعالى.
وقال شرّاح النهج في كون العلم وراثة كريمة بأن معنى ذلك أن من يأخذ العلم عن عالم
ما فكأنه ورثه، وكذلك فإن من يطلب علماً غائصاً في بطون الكتب مطلعاً على نتاج أهل
العلم وحصيلة جهودهم يكون قد ورث هؤلاء العلماء، وأيضاً قيل إن العلم وراثة كريمة
لأنه كالإرث يؤخذ بلا عوض.
لكن ثمة من رأى وجهاً آخر في هذه العبارة بعطفها على ما روي عن الإمام علي عليه
السلام نفسه بناءً على أن كلام الإمام عليه السلام يفسر بعضه بعضاً فقد جاء في حكم
الإمام علي عليه السلام: "العلم يكسب الإنسان جميل الأحدوثة بعد وفاته"3 فالناس
يذكرون الإنسان بعد رحيله عن هذا العالم بما بقي في أفعاله بصفاته، وأبرز ما يجعله
حاضراً مذكوراً بخير هو ما يتركه من أثر ناتج عن أفعاله الخيرة وأياديه المنعمة على
أهل زمانه وما هو أفضل من ذلك ما يبقى لما بعد وفاته، فالعلم أولاً من الصفات
العطرة التي يذكر بها الإنسان بعد وفاته، وثمة معنى آخر لكونه وراثة كريمة لأنه
يورَّث دون قيد القرابة والنسب، فقلما يشرك الوراث للحال من لا سبب له للوراثة أو
نسب، ويبخلون وأما لو كان الموروث هو العلم فغالباً ما يجودون به بل يسرّون لو جاء
من يشاركهم في وراثة علم الآباء وهذه كذلك وراثة كريمة.
1- نهج البلاغة، 4/3.
2- نهج البلاغة، 4/3.
3- نهج البلاغة، 4/3.