في ما جاء من كلام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام وما عُدّ من قِصار
الحكم، قوله: "من جرى في عنان أمله عثر بأجله"1.
إن الأمل مادة هامة في التكوين النفسي للإنسان، ويمكن تشبيه الإيجابي منه بمصباح
نور يحمله الإنسان في قلبه وعقله ليرافقه في مسالك الحياة. واليأس لجّة الظلمة التي
إن سقط فيها الإنسان سُدّت عليه أبواب الفلاح والنجاح وجعلته في حوزة الشيطان.
فالأمل هو الوقود الذي تتزود به النفس وتتقوت به الروح لتقوى على العمل ولذا صح
القول "لولا الأمل لبطل العمل". ولذا قال البعض "الأمل روح العمل، وكل
عمل لا يتخلله أمل كان كالجسد الذي ليس فيه روح سرعان ما ينحل ويدركه الفساد...".
فالأمل هو الطاقة المحركة للحياة الإنسانية، فالتاجر يمارس تجارته أملاً بالربح،
والطالب يجتهد في الدراسة أملاً بالنجاح، والفلّاح يفلح ويبذر ويروي ويعشّب أملاً
بأن تفيه الأرض والزرع حقه عند الحصاد. وبالخلاصة، العاملون للدنيا كما للآخرة كلٌ
يحتاج إلى الأمل تلك القوة الدافعة للعمل والمُعينة على تحمل المشاق؛ والأمل
الإيجابي هو الذي يولّد في النفس البشرية الصبر والشجاعة والثبات فمن كان آملاً
أمكن أن يكون صبوراً وشجاعاً وثابتاً، وأما اليأس فإن باب الإمكان فيه يفتح أضدادها
من الجبن والجزع والاضطراب والانهرامية.
وبالعودة إلى الحكمة العلوية فإنّه عليه السلام شبه الأمل بفرس شَموس إن انقاد
إليها الإنسان ولم يضبط سيرها بالإمساك بعنانها ليصدها عن الجري كما تهوى لن تلبث
أن تعثر بما يؤدّي إلى هلاك راكبها.
فالإمام عليه السلام يتحدث عن الأمل ببعده السلبي والمذموم منه، والذي دلّت عليه
الحكمة هو أن يطلق الإنسان العنان لأمله في الدنيا وحطامهاويجعلهما قبلة سيره ومحور
حركته، وبعبارة مباشرة المقصود هو طول الأمل بالدنيا والبقاء فيها الذي يكون
مَنشَؤه غالباً حب الدنيا، هذا الحب الذي يأخذ بمجامع القلب ويجعل النفس تأنس
بالدنيا وبلذّاتها وتستغرق فيها لتسكر بخمرة عشق الملذّات سيؤدي إلى أن يثقل على
الإنسان مفارقتها، بل سيكره مجرد التذكير بالموت وما بعده بالعطف على الحديث القائل:
"طول الأمل يُنسي الآخرة" يصبح معنى قوله عليه السلام "عثر بأجله" هو تفاجؤ الإنسان
بانقضاء العمر ومجيء الموت.
1- نهج البلاغة 4/6