من الحِكم المرصوفة كالجواهر في خزانة نهج البلاغة قول الإمام علي عليه السلام :"من
قَصّر في العمل ابتلي بالهم"1.
لا شك أنه لا يكون الإنسان مقصراً في شيء من الأعمال أو غيرها إلا إذا توفّرت
القدرة والفرصة على انجازها وتحقيقها، ولكنه لم يُعمل القدرة، ولا استغلَّ الفرصة
حتى انقضت وفاته ما يؤمل من المصالح ويصبو إليه من مكاسب.
والعمل المقصَّر فيه قد يكون المقصود به كل عمل للدنيا، حيث يكون التقصير سبب
اختلال العمل إذ ربما يؤدي إلى فوات تمام المصلحة وعلى الأقل إلى ضعف الناتج
المقصود به، وبالتالي فعدم حصول شيء أو تخلف النتيجة عن المأمول تورث الهم وملامة
النفس والحسرات.
وبالنسبة إلى الأمور الأخروية أو قل الشرعية فإنه عليه السلام قد يكون قصد أنه
ثمة عقوبة جعلها الله في عاجل الدنيا على التقصير في العبادات والطاعات وهي الهم.
وعلى كل الأحوال فإن من تنزل به نازلة ما صنعتها يدا تقصيره وتوانيه فهو عند الناس
ملوم ومذموم وعند الله كذلك، وبالطبع سينعكس ذلك همّاً يربض على قلبه ولن يكون له
في معاناته للهموم جراء ذلك ما يخفف عنه ألم ما نزل به، فإن يكن بسوء اختياره أساء
إلى نفسه فحتى لو صبر ما نفع صبره ولنا أن نتساءل هل لهذا النوع من الصبر أجر وثواب
حتى يسكّن ما تكابده النفس من الهم.
فإن حفرة الهم التي سقط فيها وصار حبيسها إنما احتفرها لنفسه بنفسه وبإرادته وسوء
اختياره.
وقد يكون المعنى هو أن من يقصر في الأعمال الأخروية بالإستغراق والإنهماك في
الأعمال الدنيوية جعل الله عقوبته أنه كلما حاز في الدنيا شيئاً على حساب الآخرة
زاد همّه وغمّه وهذا ما ربما تكون الإشارة إليه في المشهور"خذ من الدنيا ما شئت
ومن الهم ضعفه".
1- نهج البلاغة،
4/30.