في الحِكَم القصار المروية عن الإمام علي عليه السلام قوله: "مقاربة الناس في
أخلاقهم أمن من غوائلهم"1.
قبل بيان المعنى الإجمالي لهذه الحكمة الاجتماعية والتبليغية لا بد من الوقوف آناماً
مع معاني مفرداتها:
في شروح النهج قالوا إن المقاربة ضدّ المباعدة وبمعنى آخر ضد المنافرة والمباينة،
وعليه فمعنى المقاربة هو مجاراة الناس في أخلاقهم بما يتلاءم مع الحق؛ وقالوا كذلك
إن معنى الغائلة هي الحقد بل الشر.
والمعنى المفهوم من الحكمة يصبح التالي:
إن الناس بطبعهم أنه من لاقاهم بما يخالف ويضاد ما ألفوه واعتادوه من أخلاق وآداب
وعادات فإنه يثير فيهم حالة من النفور والوحشة وبالتالي فهذا ما يجعلهم يتوجسون منه
بما قد يورِّث لديهم الحقد والعداوة، إذ أنه كما أن الإنسان تجده أميل إلى ما
يماثله ويشابهه كذلك يتلقى من يخالفه ويضاده بالحذر والنفور، فالناس يريدون من
بعضهم كف الأذى وأن يأمن بعضهم جانب البعض الآخر وأول العلامات الموجبة للخشية
والإستيحاش أن يظهر بعضهم في المعاملات ما يباين ما جرت عليه عاداتهم وآدابهم؛ ولذا
فإن من يلزم نفسه بمقاربة أخلاق الناس ويداريهم فيما جاز بحكم الشرع والعقل يكون قد
أصحر لهم براية المسالمة والموادعة مظهراً الرغبة في التفاهم والمعايشة الآمنة،
وهذا بذاته سبب موجب للأنس والمحبة.
وثمة لفتة لنا في مقام العمل التبليغي وهي أن من يقوم بمهمة التبليغ متوسلاً الوعظ
والإرشاد عليه أن يتحامى ما يثير النفور والعداوة في الموعوظين، وعليه تجنب كل ما
يوصد باب سمعهم عن السماع ويغلق نوافذ قلوبهم وعقولهم عن الإصغاء والفهم.
ولنعد إلى الحكمة لنقول مدققين في المعنى إنه لا بد من الإلتفات إلى أن المقاربة لا
تعني الموافقة التامة والمماثلة للآخرين بل هي نحو من تقليل المسافة أو تقليل
العوائق والمعوقات المانعة من سلامة العلاقات الإجتماعية والإنسانية، والتي قد تكون
بالتركيز على المشتركات كما جاء قرآنياً
﴿تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء
بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾2 وقد تكون بالأسلوب كما في قوله تعالى:
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾3
حيث التسامح والتلطف بالمنحرفين عن الحق. فالمقاربة هي تجنب الحدة في اظهار
المباينة والمعارضة واتخاذ طرق سهلة ولطيفة ولينة لا توقظ الحساسية لدى الناس.
1- نهج البلاغة 4/94.
2- سورة آل عمران، الآية: 64.
3- سورة سبأ، الآية: 24.