ومن قصار الحكم عن أمير المؤمنين سيد البلغاء والحكماء الإمام علي عليه السلام قوله:
"لكل مُقبِل إدبار، وما أدبر كأن لم يكن"1.
هذه الحكمة يمكن بتقليب الوجوه أن نعثر على الكثير من مصاديقها التي قد تكون مرادة
للإمام عليه السلام ؛ حيث إن الدنيا التي هي دار فناء تتقلب بأهلها حالاً بعد حال
ولا استقرار لها ولا دوام على لون وعلى حال، فهي متلونة متقلبة متصرِّمة وكل ما
فيها مصداق لقوله تعالى:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾2.
فمن تلك الوجوه أن من كان يوماً غنياً فلا ضمان أن يبقى كذلك ومن كان ذا جاه فلا
ثقة بدوامه، ومن كان ذا جمال وشباب ونضارة لا شك صائر إلى ذبول وهرم إن طال به
العمر وبالتالي فالوجه هنا هو عدم الركون إلى وعود الدنيا حال اقبالها وبالتالي
فالمراد أن لا يبطر صاحب النعمة لأنها لا تدوم، ولا يتجبر صاحب القوة لأنها ستزول،
ولا يستبد صاحب السلطة لأنها إلى غيره ستؤول.
فإن أقبلت الدنيا على أحد، عليه أن لا يركن إلى إقبالها فإنها كما تحولت عن غيره
إليه فكذلك قد تتحول عنه إلى آخرين فلا يغتر من أقبلت عليه بإقبالها، ولا ييئس من
ادبرت عنه بإدبارها. والفائدة الملازمة لهذا الوجه هو أن يحسن الإنسان صحبة النعم
ولتكن له خادمة بدل أن يكون لها خادماً وعند اقدامها عبداً.
ومن الوجوه أنّ من تعرض لنكبة أو بلاء أو مصيبة عليه أن يكون موقناً أنها ستدبر كما
أقبلت وعليه أن يكون قوياً متزوداً بالصبر والتحمل والثبات حتى لا يكون هلاكه فيها
فتذهب به عند ذهابها وتهلكه مع زوالها، بل عليه أن يثبت ويتصبر، والحكمة كأنها تقول
إذا كنت في محنة أو بلاء أو ابتلاء وامتحان فلا تكن أسير تلك الفترة بل ليكن بصرك
ناظراً إلى ما بعدها وزادك في ذلك الأمل واليقين بعدم بقاء الأمور على حالها ولا بد
من الفرج الإلهي؛ وبالتالي فلا تتجمد على اللحظة والمرحلة بل كن موقناً بوجود
المخرج من كل ضيق والفرج من كل هم فابحث عنه ولا تستسلم.
والحمد لله رب العالمين
1- نهج البلاغة،
4/40.
2- سورة الرحمن، الآية: 26.