في جزء من إحدى حِكَم الإمام عليه السلام علي التي بدأها بقوله: "لا شرف أعلى من
الإسلام" قال مكملاً: "ولا عزَّ أعزَّ من التقوى"(1).
ولنحاول مقاربة معنى هذه الفقرة من الحكمة لا بد من الإشارة إلى أن معنى كون الشيء
عزيزاً أحياناً هو قلّته وندرته، وأحياناً يُقال لصاحب الشرف والمقام بأنّه عزيز،
وهذا ما يَلفت إليه التسمية الواردة في سورة يوسف عليه السلام وهي العزيز والتي
وردت أحياناً على لسان إخوة يوسف في خطابهم له.
والعز أحياناً يأتي في مقابلة الذل. فالتقوى من جهة أصلها من الوقاية وهي تجعل
الإنسان عزيزاً أي متمنعاً عن سطوات الشيطان وتسويلات النفس. وكذلك فإن التقي من
الناس نادر وقليل إذ إن غالب الناس كما قرر القرآن:
﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
بِمُؤْمِنِينَ ﴾(2).
والتقوى كذلك تهب الإنسان الحرية امام الشهوات والملذات والأهواء فينعتق من كل ملك
وتتحرر إرادته فلا يستذل ولا يسترق ولا يستعبد.
وكذلك فإنه لما كانت التقوى وسيلة وواسطة حصرية لقبول الإيمان وقبول الأعمال حيث
حصر تعالى ما يقبله بصدوره عن من يتحلى بالتقوى ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ
مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾(3).
وثمرة التقوى تظهر في الآخرة وعند العرض على الله وهناك العز حقاً والذل حقاً.
وكذلك فإن التقوى عزٌّ لأن الله جعلها ميزان المفاضلة بين الخلق ومفتاح الكرامة
الإلهية.
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(4).
وفي الخلاصة لا يوجد عزٌّ أعزّ من التقوى لأنها عزّ الدارين الدنيا والآخرة، وعزّ
الظاهر والباطن، وعزّ النفس والبدن، وباب الكرامة وأصلها.
(1) نهج البلاغة 4/87.
(2) سورة يوسف، الآية: 103.
(3) سورة المائدة، الآية: 27.
(4) سورة الحجرات، الآية: 13.