وفي تتمة ثالثة لما بدأناه من حكمة أمير المؤمنين عليه السلام قال: "ولا مَعْقِلَ
أحصن من الورع"(1).
حيث يكمل الإمام علي عليه السلام ما بدأه ببيان شرف الإنتماء إلى الإسلام وعزّ
التقوى بالإشارة إلى ثمار الورع.
حيث استعار لفظ المعقل والذي يعني الملجأ والحرز والحصن الذي يحفظ فيه الشيء؛
فالمعقل يستعمل حقيقه في الملجأ الجسماني الذي يلجأ إليه الإنسان خوفاً من ما يخاف
منه من هلاك أو عذاب أو ألم، وقد استعمله الإمام علي عليه السلام في الورع مجازاً
ومن باب الإستعارة والتشبيه، لأن الورع خلق هو نوع من أنواع عفة النفس يتحصُّن بها
الإنسان عن مذام الأخلاق وقبيح الصفات وسيء الأعمال حيث إن المتورِّع إنسان يتحرِّج
عن اقتراف المحرمات ويمتنع عن الإقتراب إلى حريمها وكذلك يلزم الأعمال الجميلة
والصفات الحميدة فيكون بذلك في منأى عن الإنزلاق في مسالك الضلال والإنحراف وفي
مأمن من السقوط في مهاويها.
وهذا مما يجعل الإنسان في الدنيا حصيناً من الذم واللوم وتأنيب الضمير ولوم النفس،
وفي الآخرة في مأمن من شدة الحساب وسوء العقاب.
فلا شيء كالورع من حيث كونه حصناً، إذ أن اللاجيء إلى غير الورع يلجأ إلى ما لا
ينجي لأن لجؤه متبوع بالعقاب، وأما المتحصن بالورع فلا خوف عليه لأنه يكون قد لجأ
إلى الله، الذي لا ملجأ منه إلا إليه.
فكل لاجيء إليه ناج فائز، وكل لاجيء إلى غيره مما لا يفضي إليه إنما يلجأ إلى خراب،
ويقصد لري عطشه السراب.
(1) شرح مئة كلمة للإمام علي عليه السلام ابن ميثم البحراني، ص111.