في العدد السابق استفدنا من قوله تعالى لموسى عليه السلام :
.﴿وَذَكِّرْهُمْ
بِأَيَّامِ اللّهِ﴾ (1) وامتثال موسى لهذا الأمر بتذكير قومه بِنعِمَ منها وأولها
استنقاذهم من جور الفرعون وتحريرهم من سلطانه وسطوتهِ وبالتالي فإن أيام الله عطفاً
على ما سَلَف هي الأيام المصيرية وذات الأهمية الحيوية في حياة الأمم والشعوب
والبشرية عامة، ولأجل هذه الأهمية كانت عظيمة فاضيفت إلى الله إشارة إلى عظمتها
وأهميتها.
ولكن الله وصل هذا التذكير الموسوي بقوله تعالى ولعله جرى على لسان موسى عليه
السلام :
.﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (2).
فالشكر سبب ليس فقط لحفظ النعمة كما في الرواية القائلة: «وبالشكر تدوم النعم»(3).
وإنما هو سبب لزيادة النعم، والكفر بها مؤدٍ إلى عكسها؛ والملائم في السياق هو كما
صاحب الميزان: «وإذا أمرنا بالشكر فذاك لنتوجب نعمة أخرى»(4) وذكر أن أهم مراحل
الشكر هو الشكر العملي أي أن نعلم الهدف الإلهي من هذه المنحة والنعمة الإلهية ثم
لنكون في تعاملنا معها منسجمين مع هذا الهدف وتلك الحكمة بحيث نصرفها في الموارد
الملائمة وإلا كان تصرفنا على أحد نحوين إما اهمالها أو ما هو أفظع وهو صرفها فيما
لا يرضيه تعالى وأحياناً بعكس الغرض الإلهي وكلا الأمرين كفر بالنعمة الإلهية؛
ولنعد إلى الآية لنقول إن الوعد الإلهي بالزيادة في نعمة الحرية والاستقلال لبني
إسرائيل إن أحسنوا التعامل معها يعني أن يزيدهم من مراتب التحرر والاستقلال بما
يشمل الاقتدار والعزة والمنعمة والدولة والملك والسلطان والقوة، لكن كل ذلك يفترض
أن يكون في سبيل إقامة العدل ونصرة الحق ونشر الهدى والصلاح كما جاء في قوله:
.﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (5).
ولكن قوم موسى عليه السلام نجحوا حيناً فكانت مملكة داوود وسليمان وأخفقوا أحياناً
بل غالباً حتى صارت طبيعتهم وسيرتهم ولذلك كان الإخبار الإلهي:
.﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ﴾ (6).
وربطاً بما ذكرناه سابقاً عن أن يوم عاشوراء هو يوم الله فإنّ الأمة الإسلامية عامة
مخاطبة اتجاه عاشوراء بأمرين الأول هو ذكرها وفهم من دروسها وثانياً تثمير وتنمية
عطاءاتها وإلا كان الكفر بهذه النعمة وكذا العذاب الشديد. وتاريخنا شاهد!
والحمد لله رب العالمين
(1) سورة إبراهيم، الآية: 5.
(2) سورة إبراهيم، الآية: 7.
(3) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام ، ص150.
(4) الميزان في تفسير القرآن الطباطبائي، ج7، ص463.
(5) سورة الحج، الآية: 41.
(6) سورة الأعراف، الآية: 167.